مذاق مُرْ كالعلقم ، ونقول بالدارج ( يا عمي هيدا الدوا مر متل العلق ) ، ما حصل في عين علق كان أشد مرارة على اللبنانيين كل اللبنانيين ، وكان تذكرة بما صار من الماضي الذي لا يرغب أحد باستعادته أبداً ، وحدهم الذاهبون إلى ركن النسيان في مؤخرة التاريخ ، يرتكبون مثل هذه الجرائم لإستمرار وقود الفتنة ، إذ وبدون الفتنة لا قيمة لهم .

ما من فائدة واحدة ترتجى من إسالة دم المواطن العادي أياً كان انتماؤه ، سياسياً أو طائفياً ، أو مذهبياً ، بل هناك غاية واحدة ، ووحيدة ، هي زيادة شقة الوقيعة ، ومحاولة هدم ما بقي قائماً من أركان اللحمة والوحدة الوطنية ، وفي حين تشير كل الدلائل إلى إجماع لبناني على رفض القتال ، ترد الرسالة الجديدة لتؤكد على أن الراغبين والعاملين للفتنة لم ييأسوا أبداً ، وهم إنما يقولون عبرها للبنانيين : قتلنا منكم الزعماء والوجهاء ، والوطنيين ، وكلهم أبرياء ، وأردنا منكم أن تتقاتلوا فلم تفعلوا ..!! اليوم سنقتل منكم لتفهموا ما لم تفهموه قبلاً ،... التسامح مرفوض، والقبول بالآخر .. مرفوض ، والأمن والسلام الأهلي بينكم مرفوض ، إن كل هذه الأمور والمفاهيم لا تخدم مصالحنا .. ، هزمتنا مقاومتكم وألحقت بنا الكثير من الخسائر منذ أكثر من عقدين وحتى الآن ، لم يفلح أنصارنا وعملاؤنا في القضاء على رؤوس المقاومة ، ولا وقفها ، ولا الانتصار عليها ، بالأحرى نحن لا نستطيع الانتصار على مقاومة يدعمها الشعب ، وأما الطريق لتحقيق الأهداف فهو تمزيق وحدة هذا الشعب ..وجعله في حالة اقتتال دائم عسى أن يستدرج المقاومة بكل فصائلها ، وإذ لا يستطيع الوقوف بوجهها فإنه لا بد يطلب النجدة من القوات الحليفة المحتشدة قرب الحدود والمياه الإقليمية .

في كل الاغتيالات السابقة ، لم يتم الكشف عن الفاعلين أو آثارهم ، وكان إصرار على تكليف أدوات خارجية ( جنائية ) بزعم اكتشاف الحقائق ، نحن والكثيرون مثلنا، قرأنا بين السطور توجهاً لطمس الأدلة ، أكثر العمليات وضوحاً وسهولة للكشف كانت عملية اغتيال الشهيد بيار الجميل ، وحدهم القتلة ، المخططين ، أو المشاركين كانوا يسارعون إلى توجيه أصابع الاتهام بعيداً جداً عن الفاعل الحقيقي ، لكنهم أبداً لم يقدموا ، ولن يقدموا للبنانيين ولا لغيرهم مجرد دليل واحد يشير إلى الفاعلين ، على العكس ، كان الاستنجاد بوحدة إزالة بقايا أي دليل قد يؤدي إلى الإمساك بالخيط الأولي ، هل بلغ الإحباط والقصور هذا الحد من عدم مقدرة الأدلة الجنائية اللبنانية ، أو أجهزة الأمن في تتبع الفاعلين ..؟ أبداً ، لا يمكن التقليل من شأن الأمن اللبناني إلا إذا افتقر إلى القرار السياسي على المستويات العليا بحيث يتم الطلب من هذه الأجهزة أن تلتزم الحياد وتترك الأمر لمن تكلفه أمريكا أو فرنسا والتحدي الأكبر ليس كشف الفاعلين فقط وإنما الإشارة إلى أي دليل وجدوه ، وما وجدوا إلا بقايا الأدلة التي تشير إلى الموساد الصهيوني أو المتعاونين معه ، وهذا تعرفه الحكومة اللبنانية ، كما تعرفه الحكومة الفرنسية وبالذات الرئيس شيراك ، الذي ربما ، وهو مرجح – أنه يعرف الفاعلين بالأسماء ، فالمخابرات الفرنسية تعشش في بيروت ، بل وفي كل لبنان ومثلها الأمريكية والموساد وكل استخبارات العالم ، وحدها المخابرات السورية المتهمة دوماً لا وجود لها وإلا لكنا سمعنا واستعرضنا مع المطبلين ، صور الكثير من عملاء هذه الاستخبارات الذين يعز وجودهم اليوم في ساحة لبنان وإلا لقبضوا على بعضهم بالفعل .

وحدهم الذين يخططون وينفذون ، ويمارسون أنشطتهم تحت غطاء الرعاية الدولية ، وباسم المجتمع الدولي ، سيشيرون كما في كل مرة إلى الجهة الخطأ إمعاناً في تضليل الشعب اللبناني والشعوب العربية ، خدمة لمصالح الدول التي ارتهنوا لها ، وارتبطت مصالحهم بمصالحها ، الأقرب إلى المنطق هو التحليل البسيط القائل بأن اقتراب انفراج الأزمة اللبنانية ونجاح الجهود المخلصة في تجنيب البلد ويلات العلقم الذي تذوقه اللبنانيون على مدى سنوات طويلة ، هو الدافع لبعض الصغار الذين سيتكفل الحل بسقوطهم على قارعة التاريخ ، وهم سيفقدون أهميتهم التي ارتكزت إلى أمارة الحرب ، وأمارة الطائفة ، وهم معروفون ومحدودون ، وهم بالتأكيد أصحاب المصلحة في عملية عين علق ، وكل العمليات التي تحرض على العنف ، بل ، تستدرج هذا العنف على قاعدة ردود الأفعال والحشد الطوائفي – المذهبي – المناطقي في كل لبنان .

قبل قليل كانت كل محطات التلفزة في المنطقة تعلن أن عدد الضحايا اثنا عشر والجرحى أكثر ، الشرطة اللبنانية أعلنت بعد ذلك أن عدد القتلى ( الشهداء ) ثلاثة ، ... لست أدري كنه الشعور بالفرح لمجرد انخفاض عدد الضحايا ، مع أن الخسارة واحدة في كلتا الحالتين ، ليس المهم عدد الضحايا ، المهم طعم المرارة لفقدان لبنان الأمن والطمأنينة على المستوى الشعبي ، ودون معرفة نهاية الطريق ، ليس يعني المجرمون أبداً ما يتذوقه اللبناني من مرارة العيش وشظفه ، ولا الدم النازف ، المهم إثبات وجود ما لا وجود له إلا في مخيلتهم .

الرحمة والمجد للأبرياء الذين سقطوا ، والشفاء للجرحى الذين نزفوا وتألموا ، والخيبة والخذلان للقتلة المجرمين الذين تاجروا ، وسيتاجرون بدماء هؤلاء جميعاً .

حتى اللحظة لم ينطق أحد من فريق الرابع عشر من شباط بما يبيتون من اتهامات جاهزة بحق طرف ما ... الكل ينتظر أن يتهموه ، ربما لم تصدر الأوامر بعد ... الأهم ، انتظروا معنا البلاغ رقم ...... الصادر عن مجلس قيادة جماعة 14 شباط ، ولكن بعد أن يصدر أمر العمليات من عوكر ، عبر قريطم أو المختارة ، بعد أن نفذت غرفة عمليات بشري المهمة بنجاح كبير ، وكما في كل مرة .

مصادر
سورية الغد (دمشق)