قتل وباء كوفيد-19 أكثر من 200 ألف شخص حتى الآن، وأغرق المليارات من البشر في حالة من الذعر. ذعر، حرم معظمهم من أي حس نقدي ودفعهم لاتخاذ، أو الموافقة على قرارات سياسية غبية.
وقد تمكنت مجموعة من الشخصيات تدعى الفجر الأحمر (Red Dawn)، التي كشف عن مراسلاتها Kaiser Health News وموقع صحيفة نيويورك تايمز، من فرض إيديولوجية مريعة : الصين أعلنت الحرب علينا، ولن نتمكن من حماية أنفسنا إلا من خلال حبس جميع المدنيين في منازلهم.
أوضحت في مقال سابق [1] كيف تم تطوير التنبؤات الإحصائية المخيفة حول عدد الوفيات التي تسبب بها كوفيد-19 من قبل دجال يدعى البروفيسور نيل فيرغسون من المعهد الملكي في لندن، والتي دحضتها الوقائع في الميدان مرات عديدة خلال العقدين الماضيين.
كما بينت في مقال آخر [2] أن إجراءات الاحتواء في الصين ليس لها دوافع طبية، بل سياسية (نظرية " تفويض السماء").
يبقى أن نوضح من أين أتى مفهوم الحبس الإلزامي للجميع، كما يُمارس الآن في الغرب.
على الرغم من عدة أسابيع كاملة قضيتها في استشارة كتب علم الأوبئة، إلا أنني لم أجد أي دليل على مثل هذا الإجراء في أي مكان. ولم يحدث قط في التاريخ أن تم القضاء على وباء بهذه الطريقة.
عندما تم إماطة جانب من الحجاب بشكل غير مباشر عن طريق المراسلات التي كشف عنها Kaiser Health News، تبين أنه تم التخطيط لهذا الإجراء من قبل إدارة بوش بين الأعوام 2005-2007.
حجر الجنود والمدنيين
درست وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2005 كيفية الاستعداد لهجمات إرهابية بيولوجية ضد القوات الأمريكية المتمركزة في الخارج.
وبناءً على مبدأ المحافظين الجدد القائل بأن الإرهابيين هم حكماً أجانب، وأنهم بالتالي لا يستطيعون دخول المنشآت العسكرية الأمريكية، كانت الخدمة الصحية معنية بمنع الهجمات التي قد يواجهها الجنود أثناء خروجهم.
لذا كان عزل الجنود المرضى في المستشفيات وحبس الأصحاء في الثكنات خياراً منطقياً. بالمناسبة، القواعد العسكرية الأمريكية هي مدن صغيرة، مصممة لفرض الحصار عليها، وإمكانية العيش فيها لمدة شهور من دون مشكلة.
غير أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد كان ينوي تغيير المجتمع بحيث يختفي التمييز بين المدنيين والعسكريين، بما يُمكن بعد ذلك من الاستيلاء على الجميع للحرب الشاملة على الإرهاب. هذا ما شرحه في عمود نشرته صحيفة الواشنطن بوست [3]. وقد تم تكليف الدكتور كارتر مشير من وزارة شؤون المحاربين القدامى(Department of Veterans Affairs) ، والدكتور ريتشارد هاتشيت من البيت الأبيض (مجلس الأمن القومي) بتوسيع هذه القاعدة العسكرية لتشمل المدنيين. لكنهما لم يتمكنا من فرضها على مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Center for Disease Control and Prevention ، إلا في عام 2006، تماماً قبل رحيل رامسفيلد بقليل.
بيد أنها أثارت على الفور عاصفة احتجاج في الولايات المتحدة بقيادة البروفسور دونالد هندرسون، الذي كان يدير كلية الصحة العامة بجامعة جون هوبكنز، بالإضافة إلى نظام الاستجابة للأوبئة في الولايات المتحدة.
بالنسبة له - ولجميع الأطباء الذين تحدثوا في ذلك الوقت – فإن وضع جميع السكان تحت الإقامة الجبرية، ليس لها أي معنى طبي وتنتهك الحريات الأساسية. وهي ليست لا أكثر ولا أقل، من انحراف استبدادي للإدارة التي أصدرت بالمناسبة قانون "الباتريوت أكت USA Patriot Act " خلال هجمات 11 سبتمبر.
وصار ينبغي الانتظار حتى وصول إدارة ترامب عام 2017، لكي يتم تدمير جميع الوثائق الأمريكية الرسمية التي تشير إلى هذا الإجراء.
أصبح ريتشارد هاتشيت مدير تحالف ابتكارات التأهب للوباء Coalition for Epidemic Preparedness Innovations (CEPI) الذي ينسق استثمارات اللقاحات العالمية.
"الفجر الأحمر"
تابع الجميع تناقضات المؤتمرات الصحفية للبيت الأبيض حول رد الفعل على كوفيد-19-دعا الدكتور أنتوني فوسي، الضامن العلمي، الذي لم يدم طويلا، للبيت الأبيض، إلى اتخاذ إجراءات سلطوية من شأنها خنق الوباء، بينما عارض الرئيس دونالد ترامب على ما يبدو تدابير الاحتواء باسم الحرية للجميع .
ولكي يثبتوا عدم كفاءة الرئيس، سرب أصدقاء الدكتور فوسي جزءاً من مراسلاتهم. وعلى ما يبدو فقد شكلوا مجموعة نقاش وعمل تدعى الفجر الأحمر(Red Dawn) [4] [5].
يشير هذا الاسم إلى عملية غير معروفة من قبل وزير الدفاع كاسبار وينبرغر، الذي أرسل في عام 1984 وفداً إلى جميع أنحاء أوروبا وأمريكا اللاتينية، يطلب مساعدة الحلفاء في مواجهة غزو وشيك تتعرض له الولايات المتحدة.
وقد حدثني وزير الدولة الفرنسي للعلاقات الخارجية، جان ميشيل بايلت عن تلك المحاولة البشعة للتلاعب بالعقول بالقول : جاء عدد كبير من الجنرالات الأمريكيين إلى باريس ليقدموا بمنتهى الجدية عرضاً من شرائح صور (سلايتات) تُظهر أن القوة الأعظم في العالم مهددة من قبل دولتين صغيرتين وفقيرتين، هما كوبا ونيكاراغوا.
كان الدبلوماسيون الفرنسيون الحاضرون في الصالة، الذين لم تصدق عيونهم ماترى وآذانهم ماتسمع، يعضون على شفاههم كي لاتبدو الضحكات على وجوههم، بسبب النظر إليهم كأغبياء.
ولدعم هذه الحملة، أنجز البنتاغون فيلماً دعائياً في هوليوود بالاشتراك مع باتريك سويزي وتشارلي شين. وأطلق عليه في وقت لاحق إسم "الفجر الأحمر" للإشارة إلى عملية القبض على الرئيس العراقي صدام حسين في عام 2003.
ومن خلال اختيارهم اسم "الفجر الأحمر" على مجموعنهم، تُظهر الشخصيات الـ 37 المشاركة بوضوح مناهضتها للشيوعية.
صحيح أنه لم يعد هناك أي وجود لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، ولكن الحزب الشيوعي لا يزال يحكم الصين، حيث بدأ الوباء. ويؤكد أعضاء المجموعة أن الأمر متروك لهم لاستعادة السلطة وشن الحرب.
من بين أعضاء هذه المجموعة نجد بلا شك الطبيبان الحتميان أنتوني فوسي (مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية National Institute of Allergy and Infectious Diseases ) وروبرت ريدفيلد (مدير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention) والأطباء كارتر مشير (مستشار قسم شؤون المحاربين القدامى Department of Veterans Affairs ) وريتشارد هاتشيت (مدير CEPI) اللذين فرضا قواعد الحبس العسكري على المدنيين إبان إدارة بوش.
تم تناول أفكار الدكتور ريتشارد هاتشيت بالكامل من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
"نحن في حالة حرب وعلينا حبس جميع المدنيين لحماية أنفسنا". وقد أخذ بعض حكام الولايات المتحدة بتلك الأفكار، باستثناء الرئيس دونالد ترامب.
والباقي تعرفونه. لقد أصاب الذعر الرأي العام في العالم. ولخشية القادة السياسيين من اتهامهم بعدم فعل أي شيء، راحوا يقلدون أولئك الذين يتصرفون.
وهكذا انتشرت القاعدة العسكرية الأمريكية التي تبنتها فرنسا مثل الفيروس الذي من المفترض أن تحاربه حتى ينهار الاقتصاد العالمي.
وهكذا أيضاً بدأت تبرز على السطح مشاكل الغذاء في كل مكان، وإذا لم يتم عمل شيء، فستظهر المجاعات، بما في ذلك في قطاعات معينة من الدول الغنية.
[1] “كوفيد-19 : نيل فيرغسون، ليسنكو الليبرالي” , بقلم تييري ميسان , ترجمة سعيد هلال الشريفي , شبكة فولتير , 19 نيسان (أبريل) 2020, www.voltairenet.org/article209742.html
[2] « Covid-19 : propagande et manipulation » , par Thierry Meyssan , Réseau Voltaire , 20 mars 2020.
[3] “A New Kind of War”, Donald Rumsfeld, The Washington Post, September 27, 2001.
[4] Document : ‘Red Dawn’ Emails (80 p., 24,8 Mo).
[5] “‘Red Dawn Breaking Bad’: Officials Warned About Safety Gear Shortfall Early On, Emails Show”, Rachana Pradhan & Christina Jewett, Kaiser Health News, March 28, 2020; “The ‘Red Dawn’ Emails: 8 Key Exchanges on the Faltering Response to the Coronavirus”, Eric Lipton, The New York Times, April 11, 2020; “The Social Distancing Origin Story : It Starts in the Middle Ages”, Eric Lipton & Jennifer Steinhauser, The New York Times, April 23, 2020.