يتزامن اعلان نتائج الاستفتاء على الدستور العراقي الجديد عملياً مع بدء محاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين بتهمة المسؤولية عن مقتل 143 شيعياً العام 1982 في بلدة الدجيل، شمال بغداد، بعدما تعرض موكبه لاطلاق نار فيها. الجامع بين الدجيل والدستور، اضافة الى التزامن، هو ان البلدة ورد اسمها في ديباجة الدستور، عندما اشار الى ان العراقيين اكتووا «بلظى المقابر الجماعية والاهوار والدجيل...».

الدستور الجديد في العراق ضرورة لا تحتاج الى من يدافع عنها، خصوصا انه منبثق عن استفتاء شعبي عام. ومحاكمة رئيس النظام السابق واركانه ضرورة ايضا، ليس فقط من اجل ان ينال المسؤول عن الانتهاكات عقابه، وانما ايضا لفهم الدوافع والاسباب التي ادت الى مثل هذه الممارسات وللحؤول دون احتمال تكرارها في المستقبل.

لكن هذا الربط بين الدستور، خصوصا في مقدمته، وممارسات النظام السابق هو الذي ادى الى الاعتراضات والانتقادات. فالدستور يؤسس للمستقبل استنادا الى كل المعطيات المتوافق عليها في البلد، وليس الى مرحلة من مراحل تاريخه، حتى وإن كانت من اشد المراحل ظلاما.

نص الدستور، في اكثر من مادة، على المساواة وعدم التفريق بين المواطنين على اساس الدين او العرق او المنطقة، لكن قانون الغالبية هو الذي يحكمه. وهي غالبية تلخص كل ما عانته في المرحلة الصدامية، وتعتبر ان رفع هذه المعاناة يكمن في تشريع كل ما كان يحرمه النظام السابق، وتحريم كل ما ارتبط به. ومن هنا تشديده على «اجتثاث البعث الصدامي». واذا كانت هذه الفكرة ضرورية لبناء الدولة الديموقراطية، فان الدستور، في فذلكته، لا يضع في وضوح الحدود الفاصلة بين الديكتاتورية الصدامية واحتمال نشوء ديكتاتورية من نوع آخر تنشأ عن ظروف مغايرة لتلك التي اوصلت صدام الى الحكم، وبررت له كل ممارساته. ولا ينفصل مثل هذا الاستنتاج عن تلك المفاوضات الملتوية التي اجراها الحلفاء في الحكم الجديد (الشيعة والاكراد) مع المعترضين على الدستور (السنة). وجاءت مناورة التعديلات الموعودة لتثبت النص الاساسي المفتوح على احتمال الاقصاء لشريحة اساسية في البلد بحجة عدم تكرار التجربة الصدامية. وذلك في الوقت الذي يغذي اطراف في التحالف ما يتعارض مع نصوص الدستور المشكو منه بالذات.

وبالارتباط مع ذلك، ثمة مشكلة يمثلها القانون الذي سيحاكم صدام واركان حكمه على اساسه، وهي مشكلة اساسية لانها ترتبط بمفهوم القانون للمعنى الجرمي. فاذا كان القانون الصدامي هم المعتمد، فانه ينفي صفة الاتهام، ما دام المتهمون استندوا اليه لتبرير ممارساتهم. واذا كان القانون الذي سينبثق من الدستور الجديد هو الذي سيعتمد، فان المحاكمة ستصبح في حكم المؤجلة الى حين وضع هذا القانون. والقضية هنا تتجاوز الجانب التقني الى صلب المسألة السياسية. ذلك ان مجرد ادانة صدام ورفاقه في عمليات قتل متعمد، تظل دون المأمول من هذا النوع من المحاكمات، وهو كشف الآليات الداخلية لنظام تحول الى قاتل لابنائه، وكشف العوامل السياسية والاجتماعية التي جعلت السلبية الصفة الغالبة لسلوك الضحايا.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)