لاحظنا على مدى العقد المنصرم من الزمن، فظاظة الرغبة الفرنسية الجامحة لإعادة فرض سيطرتها على مستعمراتها السابقة. الأمر الذي يفسر منطق تعيين الرئيس نيكولاس ساركوزي (اليميني) لبرنار كوشنير (الإشتراكي) وزيراً للخارجية.

لقد استبدل ساركوزي المفهوم الأنغلوسكسوني "لحقوق الإنسان" بمفهوم الثوار الفرنسيين ل"حقوق الإنسان والمواطن"، لنرى خلفه، الرئيس فرانسوا هولاند، يُصرح في وقت لاحق، في مؤتمر صحفي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالقول أن الوقت قد حان لإعادة فرض الانتداب الفرنسي على سورية.

لكن الحفيد الأصغر لشقيقة السفير فرانسوا جورج بيكو (صاحب اتفاقية سايكس-بيكو)، الرئيس الفرنسي السابق فاليري حيسكار ديستان، كان الأكثر وضوحاً بالحديث عن ضرورة عودة الاستعمار، مما يجعلنا نفهم سبب رغبة الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون بمواصلة الحرب على سورية، حتى من دون الولايات المتحدة.

يوجد في فرنسا "حزب استعماري" منذ عشرات السنين، يخترق الأحزاب السياسية كافةً، ويتحرك في الميدان كأحد لوبيات الضغط، لحساب الطبقة المالكة.

وكما هو الحال في كل حقبة يتعذر فيها على الرأسماليين عديمي الضمير سحق القوى العاملة الوطنية لديهم، فإن أسطورة الغزو الاستعماري تعوم على السطح من جديد، ولسان حال الحالمين بها يقول : طالما أن ذوو "السترات الصفراء" ينتفضون حالياً في فرنسا، فلنواصل إذاً عملية "إستغلال الإنسان للإنسان"، هذه المرة ،على ظهور السوريين.

فرنسا، ليست القوة الاستعمارية القديمة الوحيدة التي تصدر ردود فعلها على هذا النحو. فالمملكة المتحدة تتخبط منذ عامين أمام المستقبل الذي ينتظرها بعد البريكزيت.

ذهبت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي إلى الولايات المتحدة، بعد وقت قصير من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وخاطبت قادة الحزب الجمهوري، مطالبة بإعادة إحياء القيادة الأنغلوسكسونية على العالم. لكن، لسوء حظها، فقد انتُخب الرئيس ترامب لتصفية الأحلام الإمبريالية، وليس لتقاسمها مع الآخرين.

عادت تيريزا ماي محبطة من واشنطن، فسافرت على الفور إلى الصين لتقترح على الرئيس شي جينبينغ السيطرة معه على جميع المبادلات التجارية الدولية. وقالت له إن المركز المالي للندن "السيتي" مستعد لضمان قابلية تحويل العملات الغربية إلى يوان. لكن الرئيس شي جينبنغ لم ينتخب، هو الآخر، للقيام بأعمال تجارية مع وريثة السلطة التي فككت بلاده، وفرضت عليها حرب الأفيون.

ثم قامت تيريزا ماي يائسة بمحاولتها الثالثة والأخيرة مع دول حلف الكومنولث. لاسيما أن بعض مستعمرات التاج السابقة، مثل الهند، تشهد نمواً قوياً، وقد تصبح دول الحلف مجتمعة شريكاً تجاريا مهماً للمملكة المتحدة في المستقبل، خصوصاً بعد تسمية وريث التاج البريطاني، الأمير تشارلز، رئيساً رمزياً لهذا الحلف. مما سمح للسيدة ماي أن تعلن بالفم الملآن أن بلادها تتجه الآن نحو نشوء المملكة المتحدة العالمية (بريطانيا العالمية Global Britain ). وقد عبر وزير الدفاع البريطاني غيفين وليامسون عن موقف المملكة بوضوح في مقابلة أجرتها معه صحيفة صنداي تلغراف الصادرة في 30 كانون أول 2018.

ظلت تنتهج المملكة المتحدة، منذ إخفاقها الذريع في حرب السويس (العدوان الثلاثي على مصر) عام 1956، سياسة إنهاء الاستعمار، وسحب قواتها من بقية العالم، بحيث لم يعد لديها في الوقت الحالي قواعد عسكرية دائمة إلا في جبل طارق، وقبرص، ودييغو غارسيا، ومالفيناس أو "جزر الفوكلاند" وفقا لاسمها الإمبراطوري). ثم توجهت خلال ثلاث وستين سنة الماضية نحو فكرة الاتحاد الأوروبي، كما تصوره وينستون تشرشل، الذي لم يفكر للحظة في ذلك الحين أن إنجلترا ستنضم فعليا إليه.

لكن البريكزيت " مزق هذه السياسة" نهائياً. وها هي المملكة تعود "قوة عالمية استعمارية"، تخطط لإنشاء قواعد عسكرية دائمة عبر العالم.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #3068
(PDF - 165.7 كيليبايت)