كان هذا المقال قد صدر باللّغة الفرنسيّة في ٤ آب ٢٠١٤. تمّت ترجمته إلى اللّغة العربيّة في ١٩ تشرين الثّاني ٢٠٢١.

إشتعلت الحرب المُتواصلة منذ ٦٦ عاماً في فلسطين من جديد مع العمليّتين الإسرائيليّتين "حُماة إخواننا" و "الجرف الثّابت" (الّتي يسمّيها الإعلام الغربي بشكلٍ غريبٍ "الحافّة الحامية").

من الواضح انّ تل ابيب- الّتي كانت قد استغلّت اختفاء ثلاثة اسرائيليّين يافعين للمُباشرة بهذه العمليّات و "اقتلاع حماس" بهدف استثمار غاز غزّة، بما يتوافق مع المشروع الّذي كان قد وضعه وزير الدّفاع الحالي في ٢٠٠٧ [1]- قد استبقتها ردّة فعل المقاومة. اجابت حركة الجهاد الإسلامي عبر إطلاق صواريخ متوسّطة المدى يصعب اعتراضها بشدّة، لِتُضاف إلى الصّواريخ الّتي كانت قد أطلقتها حماس.

اودت الأحداث العنيفة بحياة ١٥٠٠ فلسطيني و ٦٢ اسرائيلي (ولكنّ الأرقام الإسرائيلية تخضع للرّقابة العسكرية و هي على الأرجح اعلى من ذلك)، ممّا أدّى إلى موجة احتجاج عمّت العالم بأسرِه. بالإضافة إلى أعضائه الخمسة عشر، إستمع مجلس الامن المجتمِع في ٢٢ تمّوز إلى ٤٠ دولة أُخرى اعتزمت إظهار استيائها من تصّرفات تل ابيب و "ثقافة اللّامسؤوليّة" الّتي تعتنقها. الإجتماع الّذي لم يفترض أن يتعدّى ساعتين، استمرّ ٩ ساعات [2].

بشكلٍ رمزيّ، أعلنت بوليفيا أن اسرائيل "دولة ارهابية" وألغت اتّفاق التّبادل الحرّ القائم بين البلدين. ولكن بشكلٍ عام، لا تأتي بعد الإدانات أيّ مساعدات عسكريّة، إلّا في حالة إيران، وبشكلٍ رمزيٍّ سوريا. الدّولتان تدعمان الشّعب الفلسطيني عبر حركة الجهاد الإسلامي، و ذراع حماس العسكري (ولكن ليس ذراعها السّياسي، العضو في حركة الإخوان المسلمين)، و الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامّة.

خلافاً لِما مضى (عمليّتيّ "الرّصاص المصبوب" في ٢٠٠٨ و "عمود السُّحُب" في ٢٠١٢)، سهّلت الدّولتان المُحاميّتان لإسرائيل في مجلس الأمن (الولايات المُتّحدة و المملكة المُتّحدة) صياغة إعلانٍ لرئاسة مجلس الامن يُذكّر بالموجبات الإنسانية على عاتق اسرائيل [3]. بِحُكم الواقع، بعيداً عن المسألة الاساسية لصراعٍ مُستمرٍّ منذ ١٩٤٨، إنّنا نشهد اليوم وِفاقٌ لإدانة، على الأقلّ، استخدام اسرائيل للقوّة بشكلٍ مُفرطٍ.

و لكن، يخفي هذا الوِفاق الظّاهري تحليلات مُختلفة جدّاً: بعض الكُتّاب يُفسّرون الصّراع على انّه حرباً دينيّةً بين يهود و مسلمين؛ البعض الآخر يرَى حرباً سياسيّةً تخضع لطابعٍ استعماريٍّ كلاسيكيّ. ماذا نرى إذاً؟

ما هي الصّهيونيّة؟

في مُنتصف القرن السّابع عشر، تجمّع الكلفينيّون البريطانيّون حول اوليفر كرومويل و طعنوا بإيمان و بِتدرّج النّظام الحاكم. بعد إسقاطه للحُكم الملكي الانجليكاني، زعم "الوصيّ على العرش" انّه مكّن الشّعب الإنجليزي من تحقيق الطّهارة المعنويّة اللّازمة لِاجتياز ٧ سنين من البلاء، استقبال عودة المسيح، والعيش بِهناءٍ معه لألف سنة ("الميلّينيوم"). للوصول إلى ذلك، بحسب قراءته للإنجيل، على اليهود ان يتشتّتوا في أبعد بقاع الأرض، قبل ان يتجمّعوا في فلسطين لإعمار معبد سليمان. على هذا الأساس، فرض كرومويل نظاماً بوريتانيّاً، ثُمّ سمح لليهود بأن يسكنوا في انجلترا في عام ١٦٥٦ بعد أن كانوا ممنوعين عن ذلك، مُعلِناً أنّ بلاده تتعهّد بإنشاء دولة اسرائيل في فلسطين. [4]

بعد ان هُزمت طائفة كرومويل بدورها في نهاية "الحرب الاهليّة الإنجليزيّة الاولى"، و بعد أن قُتِلَ أو نُفِيَ مُناصريها، و بعد أن أِعيد النّظام الملكي الأنجليكاني، تمّ التّخلّي عن عقيدة الصّهيونيّة (أي مشروع انشاء دولة لليهود). عادت هذه العقيدة إلى الأضواء في القرن الثّامن عشر مع "الحرب الأهليّة الإنجليزيّة الثّانية" (بحسب تسمية كُتب التّاريخ الثّانويّة في المملكة المُتّحدة) الّتي تُعرف في بقيّة العالم بِاسمِ "حرب استقلال الولايات المُتّحدة" (١٧٧٥-١٧٨٣). خلافاً لِاعتقادٍ سائدٍ، لم تُخاض هذه الحرب بِاسمِ المُثُل العُليا للتّنويريّين، الّتي وجّهت بعد بضعة أعوامٍ الثّورة الفرنسيّة، بل كانت مُموّلة من ملك فرنسا و تمّ خَوضُها لأهدافٍ دينيّة تحت شعار "مَلِكُنا الوحيد هو يسوع!".

صوّر جورج واشنطن، توماس جيفرسون، وبنجامين فرانكلن انفُسَهم (بالإضافة إلى الكثير غيرهم) على أنّهم خلفاء مُناصري كرومويل المنفيّين. بذلك، تبنّت الولايات المُتّحدة منطقيّاً مشروعه الصّهيوني.

في عام ١٨٦٨، في إنجلترا، عيّنت الملكة فيكتوريا بنيامين ديزرايلي اليهودي رئيساً للحكومة. إقترح هذا الأخير ان تُترك حصّة من الدّيموقراطيّة لأحفاد مناصري كرومويل، بشكلٍ يسمح بالإتّكال على كامل الشّعب لنشر سُلطة المملكة حول العالم. خصوصاً، إقترح ديزرايلي التّحالف مع الجالية اليهودية في الخارج لِخوضِ سياسة إمبرياليّة تكون هذه الأخيرة رأس حربة لها. في عام ١٨٧٨، قام بإدراج "إعادة إنشاء اسرائيل" في جدول اعمال مُؤتمر برلين الّذي قسّم العالم من جديد.

على هذا الأساس الصّهيوني أعادت المملكة المُتّحدة تحسين علاقاتها بمُستعمراتها القديمة (الولايات المُتّحدة) بعد انتهاء "الحرب الأهلية الإنجليزيّة الثّالثة"- المعروفة في الولايات المُتّحدة بِاسمِ "الحرب الأهليّة الأمريكيّة" و في اوروبا القارّيّة بِاسمِ "حرب الإنفصال" (١٨٦١-١٨٦٥)- الّتي انتصر فيها احفاد مُناصري كرومويل، ال"واسب" (الانغلوساكسون البيض البوريتانيّون) [5]. هنا ايضاً، تصوير هذا الصّراع على أنّه كان معركةً على الإستعباد هو خطأ مطلق، لأنّ ٥ ولايات شماليّة كانت لا تزال تمارسه.

إذاً، حتّى نهاية القرن التّاسع عشر تقريباً، كانت الصّهيونية حصراً مشروعاً بوريتانيّاً أنجلوساكسونياً، لم تؤمن به إلّا نُخبة يهودية فقط. أدان الأحبار الّلذين يَرَونَ التّوراة على أنّها مرموزاً وليس خطّةً سياسيّةً هذا المشروع بشدّة.

من جُملة تبعات هذه الوقائع التّاريخيّة الجارية اليوم، علينا ان نعترف بأنّه إذا كانت الصّهيونية تهدف إلى إنشاء دولة لليهود، فهي أيضاً أساس الولايات المُتّحدة. بناءً على ذلك، يُصبح التّساؤل عمّا إذا كانت القرارات السّياسيّة قد اتُّخِذت في واشنطن او تل ابيب له أهمّيّة نسبيّة فقط. الأيديولوجية ذاتها تحكم البلدين. بالإضافة إلى هذا، بما أنّ الصّهيونية قد سمحت بتصالح لندن و واشنطن، الطّعن بها هو تهجّمٌ على هذا الحلف، الأقوى في العالم.

إنضمام الشّعب اليهودي إلى مشروع الصّهيونيّة الأنجلوساكسونيّة

في الّتاريخ الرّسمي الحاليّ، جرت العادة على تجاهل الفترة المُتراوحة ما بين القرنين السّابع عشر و التّاسع عشر و تصوير ثيودور هرتزل على انّه مؤسّس الصّهيونيّة. هذه النّقطة خاطئة ايضاً، بحسب المنشورات الدّاخليّة للمنظّمة الصّهيونيّة العالميّة.

المؤسّس الحقيقي للصّهيونيّة المُعاصرة لم يكن يهوديّاً، بل مسيحيّاً تدبيريّاً (ديسبانساسيوناليّاً). كان القسّيس ويليام بلاكستون واعظاً امريكيّاً يؤمن أنّ المسيحيّين الحقيقيّين لن يكون عليهم ان يخضعوا لمِحَنِ آخر الزّمان. كان بلاكستون يعظ أنّ هؤلاء سيُرفعون إلى السّماء خلال المعركة الأخيرة (عقيدة النّشوة). بنظره، سيخوض اليهود هذه المعركة النّهائية وسيخرجون منها منتصرين ومؤمنين بالمسيح.

عقيدة القسّيس بلاكستون هي اساس دعم واشنطن الغير مشروط لإنشاء دولة اسرائيل. هذا الدّعم يسبق بمراحل طويلة إنشاء الأيباك (اللّوبي الدّاعم لإسرائيل) وسيطرة هذا الأخير على الكونغرس. في الواقع، إنّ قوّة هذا اللّوبي لا تعود لأمواله و قدرته على تمويل الحملات الإنتخابية بِقدر وجود هذه الأيديولوجية المتواصل في الولايات المُتّحدة الأمريكية [6].

قد تبدو هذه العقيدة سخيفة للغاية في ايّامنا، ولكنّها تبقى متواجدة بقوّة في الولايات المُتّحدة. وهي تُشكّل ظاهرةً وموضوعاً مهمّاً في السّينما و في المكاتب (مثلاً فيلم الباقون بالخلف، مع نيكولاس كايج).

كان ثيودور هرتزل مُعجباً بتاجر الماس سيسل رودس، مُنَظِّر الإمبريالية البريطانيّة ومؤسّس افريقيا الجنوبية، رودسيا (الّتي أطلق عليها اسمه) وزامبيا (الّتي كانت رودسيا الشّمالية سابقاً). كان هرتزل يهودياً، ولكنّه لم يكن من بني اسرائيل و لم يُطهّر ابنه. مثل الكثير من البورجوازيّين الاوروبيّين في وقته، كان مُلحداً، و دعا إلى دمج اليهود عن طريق هَديِهم إلى المسيحيّة. ولكن، فيما بعد، مستعيداً نظريّة بنيامين دزرايلي، وصل هرتزل إلى استخلاصٍ مفاده أنّ الحلّ الامثل كان بإشراكهم في الحركة الإستعمارية البريطانية عبر إنشاء دولة يهوديّة، في اوغندا الحاليّة أو في الأرجنتين. وتَبِعَ هرتزل مَثَلَ رودس فاشترى أراضٍ عبر الوكالة اليهوديّة.

تمكّن بلاكستون من إقناع هرتزل بأن يضمّ اهتمامات التّدبيريّين إلى اهتمامات الإستعماريّين. للقيام بذلك، كان من الكافي اعتزام إنشاء اسرائيل في فلسطين و مُضاعفة الإحالات إلى الإنجيل. بفضل هذه الفكرة البسيطة نسبيّاً، تمكّن هرتزل وبلاكستون من إقناع اغلبيّة اليهود الأوروبيّين بمشروعهم. اليوم، هرتزل مدفون في اسرائيل (في جبل هرتزل)، و وضعت الدّولة في تابوته الإنجيل المشروح الّذي كان بلاكستون قد أهداه إيّاه.

إذاً، لم يكن هدف الصّهيونيّة يوماً أن "تنقذ الشّعب اليهودي عبر إعطائه وطناً"، بل كان هدفها نُصرة الإمبريالية الأنجلوساكسونية عبر دمج اليهود فيها. بالإضافة إلى ذلك، الصّهيونيّة ليست صنيعة الثّقافة اليهوديّة، اكثريّة الصّهاينة ليست يهوديّة، وأكثريّة اليهود الصّهاينة لا تتحدّر من بني اسرائيل. الإحالات إلى الإنجيل المُتفشّية في الخطاب الرسمي الإسرائيلي لا تعكس سوى فكر الجزء المتديّن من الشّعب و هي تهدف قبل كل شيء إلى إقناع الشّعب الأمريكي.

في هذه الفترة اختُلِقت أُسطورة الشّعب اليهودي. حتّى تلك اللّحظة، كان اليهود يعتبرون أنفسهم معتنقين لديانةٍ، وكانوا يعترفون انّ اليهود الأوروبيّين ليسوا مُتحدّرين من يهود فلسطين، بل من شعوباً اهتدت إلى اليهوديّة عبر التّاريخ [7].

إذاً، اصطنع بلاكستون و هرتزل فكرة أنّ يهود العالم متحدّرين من يهود فلسطين القُدامى. من تلك اللّحظة، تنطبق كلمة يهودي ليس فقط على ديانة بني اسرائيل، بل أيضاً على إثنيّة. عبر الإرتكاز على قراءة حرفيّة للإنجيل، أصبحوا المُستفيدين من وعد سماويٍّ يعطيهم الحقّ بِامتلاك أرض فلسطين.

الميثاق الأنجلوساكسوني بهدف إنشاء دولة اسرائيل في فلسطين

إشتركت الحكومتان البريطانيّة والأمريكيّة في اتّخاذ قرار انشاء دولة يهوديّة في فلسطين. و قد ناقشها اولّ قاضٍ يهوديٍّ في المحكمة العُليا للولايات المُتّحدة، لويس براندِيِيس، تحت إشراف القسّيس بلاكستون، و صدّق عليها الرّئيس وودرو ويلسون و رئيس الحكومة دافيد لويد جورج، ضمن إطار اتّفاقات سايكس-بيكو الفرانكو-بريطانيّة الّتي قسّمت "الشّرق الأدنى". تمّ الإعلان عن هذا القرار بشكلٍ تدريجي.

أُوكِلَت إلى ليو آمري الّذي اصبح فيما بعد وزير الدّولة لشؤون المُستعمرات مهمّة توجيه قُدامى محاربي "فيالق بَغّالي صهيون" لإنشاء، بالإشتراك مع العميلين البريطانيَّيْنِ زئيف جابوتينسكي و حاييم وايزمان، "الفيلق اليهودي"، ضمن الجيش البريطاني.

وجّه وزير الشّؤون الخارجيّة لورد بالفور رسالةً مفتوحةً إلى اللّورد والتر روتشيلد للتّعهّد فيها بإنشاء "وطناً قوميّاً لليهود" في فلسطين (٢ تشرين الثّاني ١٩١٧). من جهته، ضمّ الرّئيس ويلسون هدف إنشاء اسرائيل إلى جُملة الأهداف وراء دخوله الحرب (النّقطة ١٢ من النّقاط الأربع عشر الّتي وجّهّها إلى الكونغرس في ٨ كانون الثّاني ١٩١٨). [8]

يُستنتج إذاً أنّ قرار إنشاء إسرائيل ليس له علاقة بإبادة يهود اوروبا الّتي حصلت بعد عَقدين من الزّمن، خلال الحرب العالميّة الثّانية.

خلال مؤتمر السّلام في باريس، وقّع الامير فيصل (ابن شريف مكّة و ملك العراق البريطاني فيما بعد)، في ٣ كانون الثّاني ١٩١٩، على اتّفاقاً مع المنظّمة الصّهيونية العالميّة، مُتعهّداً فيه أن يدعم القرار الأنجلوساكسوني.

إذاً، كان إنشاء دولة اسرائيل، ضدّ شعب فلسطين، قد تمّ ايضاً مع موافقة ملوك العرب اللّذين كانوا أوّل قادة صهاينة مسلمين. بالإضافة إلى ذلك، في تلك الفترة، لم يكن شريف مكّة الحسين بن علي يفسّر القرآن مثلما تفسّره حماس اليوم. فهو لم يكن يعتقد أنّ "أرضاً مُسلمةً لا يمكن أن يحكمها غير المسلمون".

إنشاء دولة اسرائيل قانونيّاً

في ايار ١٩٤٢، عقدت المُنظّمات الصّهيونيّة اجتماعهم في فندق بيلتمور في نيويورك. قرّر المشاركون أن يُحوّلوا "الوطن القوميّ لليهود" في فلسطين إلى "كومنويلث يهودي" (إيحاءً للكومنويلث الّذي بدّل كرومويل به النّظام الملكي البريطاني لفترة قصيرة) و أن يُمكِّنوا الهجرة الجماعية لليهود نحو فلسطين. في مستند سرّيٍّ، حُدّدت ثلاث أهداف: (١) الدّولة اليهوديّة ستضمّ كامل فلسطين و على الارجح شرق الأردن؛ (٢) نَقْلُ السُّكّان العرب إلى العراق؛ (٣) وضع اليهود يدهم على قطاعات التّطوّر و السّيطرة على الإقتصاد في كامل الشّرق الأوسط.

كان جميع المشاركين تقريباً يجهلون كلّ شيء عن "الحلّ النّهائي للمسألة اليهوديّة" الّذي كان قد ابتدأ للتّوّ بشكلٍ سِرّيٍّ في اوروبا.

في نهاية المطاف، بينما لم يعد البريطانيّون يعلمون كيفيّة إرضاء اليهود والعرب سويّاً، إقترحت مُنظّمة الأمم المُتّحدة (الّتي لم تضمّ في حينها إلّا ٤٦ عضواً) مشروع تقسيم لفلسطين مبنيٍّ على الإرشادات الّتي وجّهها البريطانيّون لها. كان يُفترض أن تُنشأ دولةً من أُمَّتَيْنِ تضمّ دولة يهودية، دولة عربيّة، ومنطقة "تخضع لنظامٍ دوليٍّ مُعيّنٍ" لإدارة الأماكن المُقدّسة (القدس وبيت لحم). تمّ تبنّي هذا المشروع بموجب القرار ١٨١ للجمعيّة العامّة. [9]

دون أن ينتظر تبعات المفاوضات، أعلن رئيس الوكالة اليهودية دافيد بن غوريون قيام دولة اسرائيل بشكلٍ أُحاديّ، واعترفت الولايات المُتّحدة بها دون انتظار. أُخضع العرب المتواجدين ضمن الأراضي الإسرائيلية للأحكام العُرفيّة، كما أنّ تنقّلاتهم قدّ قُيّدت وجوازات سفرهم سُحِبَت. تدخّلت الدّول العربيّة المُستقلّة حديثاً، ولكن، دون جيوشٍ مُكتملة، هُزِمت بسرعة. خلال هذه الحرب، طبّقت اسرائيل سياسة تطهيرٍ عرقيٍّ أجبرت ٧٠٠٠٠٠ عربيّ على الأقلّ على الهرب.

ارسلت الأمم المتّحدة الكونت فولك برنادوت كَوَسيط، وهو دبلوماسي سويديّ أنقذ حياة آلاف اليهود خلال الحرب. لحظ برنادوت أنّ المُعطيات الدّيموغرافيّة المُرسلة من قِبَلِ السُّلطات البريطانية كانت خاطئة وأصرّ على تطبيق مشروع تقسيم فلسطين بشكلٍ كامل. ولكن، القرار ١٨١ كان يعني عودة ٧٠٠٠٠٠ عربيّ مُهَجَّر، قيام دولة عربية، وتدويل القدس.

تمّ اغتيال المبعوث الخاصّ للأمم المُتّحدة، في ١٧ ايلول ١٩٤٨، بأمرٍ من رئيس الحكومة المستقبلي إسحاق شامير.

مستشيطةً غضباً، تبنّت الجمعية العامّة للأمم المُتّحدة القرار ١٩٤ الّذي كرّر مبادئ القرار ١٨١ وأضاف إليه الإعلان عن حقّ لا تصرّف فيه للفلسطينيّين بالعودة إلى أراضيهم وبأن يتمّ تعويضهم عن الخسائر الّتي تكبّدوها. [10]

إلّا أنّ اسرائيل قامت بتوقيف قتلة برنادوت، فقاضتهم وحكمت عليهم، ممّا سمح لها بأن تُقبل كعضوة في الأُمم المُتّحدة بشرط ان تنفّذ القرارات النّافذة. ولكن كلّ هذه التّصرّفات لم تكن إلّا أكاذيب. تمّ العفو عن القتلة وأصبح مُطلق النّار حارساً شخصياً لرئيس الحكومة دافيد بن غوريون.

منذ انضمامها إلى منظّمة الامم المتّحدة، لم تتوقّف اسرائيل عن مخالفة القرارات الّتي تراكمت في الجمعيّة العامّة ومجلس الامن. سمحت صلاتها بعُضوَيْنِ حامِلَيْنِ لِحقّ النّقض (الفيتو) في مجلس الامن بوضعها خارج إطار القانون الدّولي. تحوّلت اسرائيل بذلك إلى دولة "بحرية" ("اوف-شور") تسمح للولايات المتّحدة وللمملكة المُتّحدة بأن تتظاهرا بتطبيق القانون الدّولي، و في الحقيقة بمُخالفته عبر استخدام دولة وهميّة.

الإعتقاد بانّ المشكلة الّتي تطرحها اسرائيل لا تخصّ سوى الشّرق الأدنى هو خطأ مطلق. اليوم، تتحرّك اسرائيل عسكريّاً في كلّ مكان حول العالم، مُغطّيةً الإمبرياليّة الأنجلوساكسونية. في أمريكا اللّاتينيّة، نظّم عملاء إسرائيليّون القمع خلال الإنقلاب على هيوقو تشافيز (٢٠٠٢) و على مانويل زيلايا (٢٠٠٩). في افريقيا، كانوا متواجدين في كلّ مكان خلال حرب البُحيرات الكُبرى ونظّموا توقيف مُعمّر القذّافي. في آسيا، قادوا الهجوم والمجازر ضدّ نمور التّاميل (٢٠٠٩) إلخ. في كلّ مرّة، تُقسم لندن وواشنطن أنّ لا علاقة لهما. بالإضافة إلى ذلك، تسيطر إسرائيل على العديد من المؤسّسات الإعلامية والماليّة (مثل نظام الإحتياطي الفدرالي الامريكي).

الكفاح ضدّ الإمبريالية

قبل انهيار الإتّحاد السّوفياتي، كان من الواضح للجميع انّ المسألة الإسرائيليّة مشمولة في خانة مكافحة الإمبرياليّة. كان الفلسطينيّون مدعومون من قِبَلِ جميع مُكافحي الإمبريالية حول العالم- وصولاً إلى الجيش الاحمر الياباني- اللّذين كانوا يأتون للقتال إلى جانبهم.

اليوم، أدّت عولمة المجتمع الإستهلاكي وفقدان القِيَمِ الّذي تبعها إلى نسيان الطّابع الإستعماري للدّولة العبريّة. فقط العرب والمسلمون يشعرون انّهم معنيّين. وهم يُظهرون تعاطفهم مع مِحنة الفلسطينيّين، لكنّهم يتجاهلون جرائم اسرائيل في باقي العالم ولا يبدون ردّة فعل امام الجرائم الإمبريالية الأُخرى.

رغم ذلك، في ١٩٧٩، كان آية اللّه روح اللّه الخميني يشرح للموالين له في إيران أنّ اسرائيل مجرّد دمية في يد الإمبرياليّين وأنّ العدوّ الحقيقي هو التّحالف بين الولايات المُتّحدة والمملكة المُتّحدة. لتعبيره عن هذه الحقيقة البسيطة، تمّت السّخرية من الخُميني في الغرب وصُوِّرَ الشّيعة على أنّهم مهرطقين في الشّرق. اليوم، إيران هي الدّولة الوحيدة في العالم الّتي تُسلّح المقاومة الفلسطينية بشكلٍ واسعٍ وترسل لها خبراءً ينصحونها، بينما القادة الصّهاينة المُسلمين يتناقشون بِلُطفٍ في مؤتمرات عبر الفيديو مع الرّئيس الإسرائيلي، خلال اجتماعات مجلس الأمن الخليجي. [11]

ترجمة
Alaa el-Khair

[1حرب اقليمية على الغاز، تييري ميسان، شبكة فولتير، ٢١ تموز ٢٠١٤
https://www.voltairenet.org/article184794.html

[2اجتماع لمجلس الامن يتعلّق بالشّرق الأدنى و بالهجوم الإسرائيلي على غزّة (بالفرنسية)، شبكة فولتير، ٢٢ تموز ٢٠١٤.
https://www.voltairenet.org/article184903.html

[3بيان من رئيس مجلس الأمن حول الوضع في غزّة، شبكة فولتير، ٢٨ تمّوز ٢٠١٤.
https://www.voltairenet.org/article184943.html

[4٤ فيما يتعلّق بتاريخ الصّهيونية، يُراجع الفصل المعنيّ بذلك (اسرائيل و الانجلوساكسون) في كتابي الخديعة الكُبرى ٢، تلاعبات و تضليلات، إصدار آلفي، ٢٠٠٧. سيجد القرّاء فيه العديد من المراجع البيبليوغرافية.
https://www.librairie-voltairenet.org/fr/livres-en-francais/24-l-effroyable-imposture-2.html

[5حرب ابناء العمّ: دين، سياسة، حرب اهليّة، و انتصار انغلو-امريكا، كيفن فيليبس، باسيك بوكس (١٩٩٩).

[6يُراجع خصوصاً ثيوقراطيّة أمريكيّة (٢٠٠٦) لكيفن فيليبس، الّذي كان مؤرّخاً فريداً من نوعه و احد مستشاري ريتشارد نيكسون

[7خلاصة للأعمال المُتعلّقة بهذا الموضوع عبر التّاريخ: كيف اختُرع الشّعب اليهودي؟، شلومو ساند، فايارد، ٢٠٠٨.

[8٨ صياغة النّقطة ١٢ غامضة للغاية. خلال مؤتمر باريس عام ١٩١٩، استخدم الأمير فيصل هذه النّقطة للمطالبة بحقّ الشّعوب الخاضعة سابقاً لِنِيرِ الإستعمار العثماني بأنّ تقرّر مصيرها بنفسها. تمّت الإجابة على مطالبه، بشكل غير مباشر، بأنّه مخيّراً بين انتداب واحد على الأقلّ على سوريا او اكثر. اكّدت البعثة الصّهيونية انّ ويلسون كان قد تعهّد بأن يدعم قيام كومنويلث يهودي، مُفاجِأةً البعثة الأمريكية. في النّهاية، اكّد ويلسون خطّيّاً انّه يجب تفسير النّقطة ١٢ على أنّها تعهّد من واشنطن بإنشاء دولة اسرائيل و عودة دولة أرمينيا.
نقاط الرّئيس ويلسون الأربع عشر (بالفرنسية) ، شبكة فولتير، ٨ كانون الثّاني ١٨١٨.
https://www.voltairenet.org/article159685.html

[9القرار رقم ١٨١ للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة (بالفرنسية)، شبكة فولتير، ٢٩ تشرين الثّاني ١٩٤٧.
https://www.voltairenet.org/article153321.html

[10القرار رقم ١٩٤ للجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة (بالفرنسية)، شبكة فولتير، ١١ كانون الاول ١٩٤٨.
https://www.voltairenet.org/article153320.html

[11شيمون بيريز تحدّث امام مجلس الأمن الخليجي في نهاية تشرين الثّاني (بالفرنسية)، شبكة فولتير، ٣ كانون الأوّل ٢٠١٣.
https://www.voltairenet.org/article181344.html