قاطع منتدى باريس الثاني للسلام نصف عدد المشاركين في المنتدى الأول.

كان من الواضح بالنسبة لهؤلاء أن ما من شيء إيجابي يمكن أن يتمخض عن هذه الهيئة التي اختزل دورها بمحاولة يائسة من الأوروبيين، لإنقاذ هيمنتهم «العلمانية» على بقية أرجاء العالم.

يزعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن العلاقات الدولية يجب أن تتكيف مع التغييرات الحالية، وأنه ينبغي الحفاظ على تعددية الأطراف التي أساء استخدامها نظيره الأميركي الرئيس دونالد ترامب.

لكن الواقع غير ذلك تماماً: التغيير الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن هو في الواقع الانهيار العسكري والاقتصادي للغرب، مقارنة مع روسيا والصين، والذي لا يتعارض مع مبادئ القانون الدولي. أما تعددية الأطراف التي يروج لها الرئيس الفرنسي، ليست سوى وسيلة لإعادة كتابة هذه القواعد، والإجهاز على القانون الدولي.

لقد سبق للأوروبيين أن أزالوا أي إشارة أو مرجعية إلى القانون الدولي، سواء في تصريحاتهم أم بياناتهم، ولم يعودوا يتحدثون إلا عن «نظام قائم على القواعد»، ولكن أي قواعد؟

قواعدهم هم؟ إنهم لم يتوقفوا يوماً، منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، عن التغيير من جانب واحد، سطراً إثر آخر، وقبلوه جميعاً.
وهكذا رأينا في الأمم المتحدة، كيف تحولت «قوات التدخل» المكلفة بالتحقق من تطبيق وقف إطلاق النار بين دولتين، إلى «قوات حفظ السلام»، مكلفة بفرض حل مجلس الأمن على دولتين متنازعتين، بل ما هو أسوأ من ذلك، فرض الحل داخل الدولة.

وعندما لم يتمكن الغربيون من تحقيق هذا التغيير المنشود، قاموا بإفراغ «قوة التدخل» من مضمونها، كما حصل في الجولان السوري المحتل.

طفقت الأمم المتحدة بالتصديق على تسويات تتناقض تماماً مع ميثاقها.

هذا ما شهدناه في اتفاقات أوسلو، التي تخلت عن مبدأ دولة مساواة واحدة في فلسطين – «رجل واحد، صوت واحد» – لغاية إنشاء دولتين على نموذج «بانتوستانات» الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

وهكذا، تطبيقاً لـ«عقيدة كوربل»، بدأ الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت في إعادة كتابة جميع معاهدات الأمم المتحدة، واحدة تلو الأخرى، ولكن بموجب أحكام القانون الأنغلوسكسوني وليس القانون الدولي، وبما يفضي إلى تحويل كل الأحكام القضائية لمصلحة الغربيين.

وهكذا أيضاً تحولت إدارة الأمم المتحدة من هيئة دولية لخدمة أعضائها، إلى منظمة في خدمة حلف الناتو.

تكفي الإشارة على سبيل المثال لا الحصر، إلى الخطة التي وضعها مدير الشؤون السياسية في الأمم المتحدة جيفري فيلتمان التي تدعو إلى استسلام غير مشروط للجمهورية العربية السورية، بدلاً من الترويج للسلام، هذا فضلاً عن تحدي المملكة المتحدة علانية للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي منحت المملكة ستة أشهر لإجلاء جزر شاغوس (بما في ذلك قاعدة دييغو غارسيا) التي تحتلها بشكل غير قانوني. أضف إلى ذلك قيام فرنسا بتعديل النظام الأساسي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بحيث لم تعد هيئة فنية لتحديد أطر الحوار، بل هيئة تحقيق، وقاض، وجلاد، في آن واحد، لتبرير انتهاكات سيادة الدول، كما كان الحال مع سورية بقضية هجوم دوما الكيميائي المزعوم.

ينبغي علينا جميعاً أن نعود إلى مبادئ القانون الدولي كما صيغت في عام 1899، حين دعا القيصر نيكولا الثاني، إلى مؤتمر في لاهاي شارك فيه العديد من البلدان. وقد اقترح السياسي الفرنسي ليون بورجوا، في ذلك الحين تسوية النزاعات بين الدول عن طريق غرفة تحكيم تكون قاعدة لعصبة الأمم، ومن ثم الأمم المتحدة.

هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتعامل بموجبها الناس المتحضرون، والتي نراها متبعة حالياً بين أوكرانيا وروسيا في تسوية الخلاف حول بحر آزوف؟

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا