هذه المقالة تأتي في سياق:
1- الشرق الأوسط يحرر نفسه من الغرب
2- التحضير لحرب عالمية جديدة

عقد الرئيس فلاديمير بوتين جلسة لمجلس الأمن الخاص به عن طريق الفيديو في ٣١ مارس ٢٠٢٣. وفي نهاية الاجتماع، أصدر تحديثا ل "مفهوم السياسة الخارجية لروسيا الإتحادية".

في هذه الوثيقة، تحدد روسيا رؤيتها لدورها في بناء العالم متعدد الأقطاب.

في المقام الأول ، تذكّر روسيا بأهميتها الكبيرة في جميع مجالات الحياة ، ووضعها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، ومشاركتها في المنظمات والجمعيات الدولية الكبرى ، وقوتها النووية وصفتها كخليفة قانونية للإتحاد السوفياتي. وقبل كل شيء، ونظرا لإسهامها الحاسم في الانتصار في الحرب العالمية الثانية ومشاركتها النشطة في تصفية النظام العالمي للاستعمار، فإنها تؤكد نفسها بوصفها أحد المراكز السيادية للتنمية العالمية وتعتبر أن مهمتها التاريخية هي الحفاظ على توازن القوى العالمي وبناء نظام دولي متعدد الأقطاب.

تطور العالم المعاصر

تلحظ روسيا أن النموذج غير المنصف للتنمية العالمية، الذي كفل لقرون النمو الاقتصادي المتسارع للدول الاستعمارية عبد الاستيلاء على موارد مستعمراتها، أصبح الآن شيئا من الماضي.

بُذلت محاولات من قبل الأنجلو ساكسون للحفاظ على "المسار الطبيعي للتاريخ"، باستخدم طائفة واسعة من الأعمال غير القانونية، بما في ذلك تطبيق "التدابير القسرية الانفرادية" (التي يشار إليها خطأ باسم "العقوبات")، والتحريض على الانقلابات، والصراعات المسلحة، والتهديدات، والابتزاز، وما إلى ذلك.

لم يتم استخدام مصطلح "الأنجلو ساكسون" في الوثيقة. هذا اختصار أستخدمه فيما يتعلق ببيانات عدة وزراء. تعتبر موسكو أن العدو هو قبل كل شيء الولايات المتحدة ، لكنها شكلت تحالفا من الدول المعادية تلعب فيه المملكة المتحدة دورا مركزيا.

بما أن روسيا هي أكبر دولة في العالم ، فإن جيشها لا يستطيع الدفاع عن حدودها، وغزوها سهل. عبر القرون ، تعلمت روسيا أن تهزم الغزاة باستخدام مساحتها الهائلة ومناخها لصالحها. لقد حاربت بالتأكيد جيوش نابليون الأول وأدولف هتلر ، ولكن قبل كل شيء أحرقت أراضيها لتجويعهم. في غياب القواعد الخلفية القريبة ، اضطروا إلى التراجع قبل أن يقضي عليهم "اللواء شتاء". على عكس الدول الأخرى ، فإن أمن روسيا لا يسمح لأي جيش معاد بأن يتجمع على حدودها.

وبالنظر إلى الحشد الروسي على أنه تهديد للهيمنة الغربية، استخدمت الولايات المتحدة وتوابعها التدابير التي اتخذها الاتحاد الروسي لحماية مصالحها الحيوية في أوكرانيا كذريعة لتفاقم سياستها الطويلة الأمد المناهضة لروسيا وإشعال حرب هجينة من نوع جديد. وتشمل المصالح الحيوية إخضاع الجيش الأوكراني للبنتاغون بعد انقلاب عام ٢٠١٤.

مصالح روسيا وأهدافها

المصالح الوطنية لروسيا هي، وأنا أقتبس:

١حماية النظام الدستوري والسيادة والاستقلال وسلامة أراضي ودولة روسيا الإتحادية ضد التأثير الأجنبي المدمر ؛
٢ الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي ، وتعزيز السلم والأمن الدوليين ؛
٣ تعزيز الإطار التشريعي للعلاقات الدولية؛
٤ حماية حقوق المواطنين الروس وحرياتهم ومصالحهم المشروعة وحماية المنظمات الروسية من الانتهاكات الأجنبية غير المشروعة ؛
٥ تطوير مساحة حاسوبية آمنة ، وحماية المجتمع الروسي من التأثير المعلوماتي والنفسي الأجنبي عندما يكون مدمرا ؛
٦ الحفاظ على الشعب الروسي ، وتنمية الإمكانات البشرية ، وزيادة مستوى حياة ورفاهية مواطنيها ؛
٧ دعم التنمية المستدامة للاقتصاد الروسي على أساس تكنولوجي جديد ؛
٨ تعزيز القيم الروحية والأخلاقية الروسية التقليدية ، والحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للشعب المتعدد القوميات في الاتحاد الروسي ؛
٩ حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية والإدارة البيئية والتكيف مع تغير المناخ.

أهداف السياسة الخارجية الروسية هي، وأنا أقتبس:

١ إقامة نظام عالمي عادل ومستدام ؛
٢ صون السلم والأمن الدوليين، والاستقرار الاستراتيجي، وضمان التعايش السلمي، والتطور التدريجي للدول والشعوب؛
٣ المساعدة في تطوير استجابات معقدة وفعالة من قبل المجتمع الدولي للتحديات والتهديدات المشتركة، بما في ذلك الصراعات والأزمات الإقليمية؛
٤ تطوير تعاون متبادل المنفعة ومتساو مع جميع الدول الأجنبية البناءة وتحالفاتها ، وضمان مراعاة المصالح الروسية في إطار مؤسسات وآليات الدبلوماسية متعددة الأطراف ؛
٥ معارضة النشاط المناهض لروسيا من قبل بعض الدول الأجنبية وتحالفاتها ، وتهيئة الظروف لوقف هذا النشاط ؛
٦ إقامة علاقات حسن جوار مع الدول المجاورة ، والمساعدة في منع وإزالة بؤر التوتر والصراع على أراضيها ؛
٧ مساعدة حلفاء روسيا وشركائها في تعزيز المصالح المشتركة وضمان أمنهم وتنميتهم المستدامة بغض النظر عن الاعتراف الدولي بهؤلاء الحلفاء والشركاء وعضويتهم في المنظمات الدولية.
٨ إطلاق وتعزيز إمكانات الاتحادات الإقليمية المتعددة الأطراف وهياكل التكامل بمشاركة روسيا ؛
٩ تعزيز مواقف روسيا في الاقتصاد العالمي ، وتحقيق أهداف التنمية الوطنية للاتحاد الروسي ، وضمان الأمن الاقتصادي ، وتحقيق الإمكانات الاقتصادية للدولة ؛
١٠ تعزيز مصالح روسيا في المحيط العالمي والفضاء الخارجي والمجال الجوي ؛
١١ بناء صورة روسيا الموضوعية في الخارج ، وتعزيز مواقعها في مجال تكنولوجيا المعلومات العالمي ؛
١٢ تعزيز أهمية روسيا في الفضاء الإنساني العالمي ، وتعزيز مواقف اللغة الروسية في العالم ، والمساعدة في حماية الحقيقة التاريخية والذاكرة حول دور روسيا في تاريخ العالم في الخارج؛
١٣ الشامل والفعال عن الحقوق والحريات والمصالح القانونية للمواطنين والمنظمات الروسية في الخارج (لطالما اعتبرت روسيا نفسها حامية الأقليات ذات الثقافة الروسية في الخارج) ؛١٤ تطوير العلاقات مع المواطنين الذين يعيشون في الخارج والمساعدة الشاملة لهم في إعمال حقوقهم وحماية مصالحهم والحفاظ على الهوية الثقافية الروسية العامة.

سيادة القانون

أُقيم القانون الدولي المعاصر في مؤتمر لاهاي (١٨٩٩)، الذي دعا إليه القيصر الأخير ، نيكولاس الثاني، وشاركت ٢٧ دولة. كُرّس المؤتمر "للبحث عن أكثر الوسائل فعالية لتأمين فوائد السلام الحقيقي والدائم لجميع الشعوب". استمر المؤتمر ٧٢ يوما.

تمت مناقشة ثلاثة مواضيع ، لكن الموضوعين الأخيرين فقط كانا ناجحين:

الحد من التسلح، من أعداد الجيوش ومن الميزانيات العسكرية؛

وضع اتفاقيات للحد من استخدام الأسلحة الأكثر فتكا والمعاناة غير الضرورية في وقت الحرب (اعتمد المؤتمر شرط مارتنز ، الذي بموجبه لا يُعتبر كل شيء غير محظور صراحة بموجب معاهدة مسموح. وبذلك أُرسيت أسس القانون الإنساني الدولي التي برّرت وجود محكمة نورمبرغ)؛

الاعتراف، في الحالات المناسبة، بمبدأ التحكيم (أُنشئت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي بناء على اقتراح فرنسي).

تميز الوفد الفرنسي هناك، الذي شمل ليون بورجوا وبول ديستورنيل دي كونستانت ولويس رينو ، ثلاثة فائزين بجائزة نوبل للسلام في المستقبل.

طرح هذا المؤتمر ابتكارين:
المساواة القانونية بين الدول، أيا كانت؛
البحث عن حل وسط والتصويت بالإجماع كمصدر للشرعية.

إن طريقة هذا المؤتمر، التي احترمتها روسيا دائما، تشكل طريقة تفكيرها (وطريقة تفكير الراديكاليين الفرنسيين وراء ليون بورجوا). وترى موسكو أنها تجد تعبيرها الحالي في ميثاق الأمم المتحدة (١٩٤٥) وفي إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة (١٩٧٠).

في مواجهة القانون الدولي، الذي يتم تعريفه بشكل جماعي داخل الأمم المتحدة، يحاول الغرب استبداله بمجموعة من "القواعد" التي يحددها في غياب جميع القواعد الأخرى. ولا تُحَقّق التنمية السلمية والتدريجية للدول الكبيرة والصغيرة إلا بتضافر جهود المجتمع الدولي بأسره بحسن نية، على أساس توازن القوى والمصالح.

في وثيقة ٣١ مارس، تذكر روسيا بأن عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا مسموحة بموجب المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة. وهي تشير إلى الهجوم الذي خططت له الحكومة الأوكرانية ضد دونباس، والذي نشرت منذ ذلك الحين أحد النصوص التي شرحها رؤساء الأركان الأوكرانيون. لذلك من المفهوم أن الاعتراف بجمهوريات دونباس كدول مستقلة متحالفة مع روسيا (في اليوم السابق للعملية الخاصة) كان شرطا ضروريا لتطبيق المادة ٥١.

تتعلق المسألة بإقامة علاقات تعاقدية بين الدول ، مع العلم أن الأقوى يمكنه دائما انتهاك كلمته وتدمير الأضعف. ولذلك يجب أن تكون مصحوبة بضمانات تهدف إلى ثني من هم في موقع السلطة عن إساءة استخدامها. ولا يمكن لهذه الضمانات أن تكون مقنعة إلا إذا كانت روسيا، مثلها في ذلك كمثل غيرها، تتمتع بحرية الوصول إلى بقية العالم، بما في ذلك الفضاء، وإذا وضعت آليات لمنع سباق التسلح.

وصف العالم متعدد الأقطاب

تنظر موسكو إلى العالم متعدد الأقطاب من خلال رؤية ثقافية للعالم. وهي تعتزم الحفاظ على العلاقات مع جميع الثقافات وتشجيع كل منها على إنشاء منظمات حكومية دولية.

تؤكد موسكو أنها مع طلبها من الدول المجاورة ألا تستضيف قوات وقواعد عسكرية من دول معادية في بلدانها، فإنها مستعدة لمساعدة هذه الدول لإيجاد الاستقرار. بما في ذلك مساعدتها على قمع المناورات المزعزِعة للاستقرار التي تقوم بها الدول المعادية في الداخل. بالنسبة لموسكو، يتعلق الأمر بعدم التمتّف ومشاهدة دول أخرى بلا حول ولا قوة تتبع المسار الأوكراني وتطيح بالسلطات المنتَخبة من خلال الاعتماد على جماعات النازيين الجدد.

وتولي الوثيقة أهمية كبيرة لتعزيز التعاون مع الصين والتنسيق مع جهودها الدولية. نعم، الأمر يتعلق بولادة عالم متعدد الأقطاب، ولكن من رحم قابلتين، هما موسكو وبيجين. على المستوى العسكري ، تستحضر موسكو شراكتها الاستراتيجية مع الهند.

يتناول مقطع واحد العالم الإسلامي الخارج من الهيمنة الغربية مع انتصار سوريا واتفاقية السلام بين إيران والمملكة العربية السعودية.

وفيما يتعلق بأوروبا الغربية، تأمل موسكو أن تدرك هذه الأخيرة أخطاءها وأن تنأى بنفسها عن الأنجلوسكسون. وحتى ذلك الحين، لا تحترس موسكو من حلف شمال الأطلسي فحسب، بل وأيضا من الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا.

إن روسيا لا تعتبر نفسها عدوةً للغرب، ولا تعزل نفسها عنه، وليست لديها نوايا عدائية تجاهه، وتأمل أن تدرك الدول المنتمية إلى المجتمع الغربي في المستقبل عدم جدوى سياستها القائمة على المواجهة، وأن تلتزم بمبادئ المساواة في السيادة واحترام المصالح المتبادلة. وفي هذا السياق، يعرب الاتحاد الروسي عن استعداده للحوار والتعاون.

إن سياسة روسيا تجاه الولايات المتحدة لها طابع مزدوج، إذ تأخذ في الاعتبار، من جهة، دور تلك الدولة بوصفها أحد المراكز السيادية المؤثرة للتنمية العالمية، من بين مراكز أخرى، ومن جهة أخرى، بوصفها مصدر إلهام ومنظم ومنفذ أساسي لسياسة الغرب العدوانية المعادية لروسيا، ومصدر المخاطر الأساسية على أمن الاتحاد على السلام الدولي، وعلى التنمية المتوازنة والعادلة والتدريجية للبشرية.

ترجمة
Alaa el-Khair