الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة محيرة: من المستحيل القضاء على جماعة إرهابية عبر القصف الجوي فقط، كما أشار إلى ذلك الجنرال وليام مايفيل، قائد العمليات في هيئة الأركان الأميركية.
مع ذلك، وعلى الرغم من كل التصريحات الرسمية، تبقى داعش صنيعة الولايات المتحدة لتحقق لها إعادة تشكيل «الشرق الأوسط الكبير»، ومن وجهة النظر هذه، لم تقصر داعش في أداء واجبها.
نحن لانعرف الشيء الكثير عن هذا القصف حتى الآن. أكثر ما يمكن قوله إن الولايات المتحدة دمرت مباني فارغة في الرقة-سبق للدولة الإسلامية أن أخلتها قبل يومين- ودزينة من المصافي النفطية شرق سورية، هدفوا من خلال هذا الإجراء إلى حرمان الإرهابيين من مصادر الدخل، وفقا للبنتاغون.
غير أن هذا غير صحيح بالمطلق.
داعش تسرق النفط من العراق وسورية، وتنقله عبر الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي، ومنه ينقل إلى إسرائيل عبر ناقلات نفط عائدة لبالمالي شيبينغ ووكالة جي. اس. سي، الشركة المملوكة للملياردير التركي-الأذربيجاني مبرز غوربان أوغلو. وفي ميناء عسقلان، تقوم السلطات الإسرائيلية بتزويد هذه الناقلات بشهادات منشأ مزورة مصدرها بئر ايلات، ليتم تصدير هذه الشحنات إلى السوق الأوروبية التي تغض النظر، وتصدق الإسرائيليين.
أولا وقبل كل شيء، هي القناة نفسها التي استخدمت في تصدير الغاز والبترول اللذين سرقتهما الحكومة المحلية في كردستان العراق.
ففي حال تصرفت الولايات المتحدة وفقا لقرارات مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001، و2170 لعام 2014، لوجب عليها مهاجمة كردستان العراق أيضا، لكنها على العكس من ذلك، فهي تدعمها (ليس في مواجهة الدولة الإسلامية، بل ضد الحكومة المركزية في بغداد).
لقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أن أحد أهم أهداف الحرب على سورية يكمن في السيطرة على احتياطياتها الضخمة غير المستغلة من الغاز الطبيعي، والتي يمكن عبر أراضيها تمرير أنابيب قادمة من إيران، أو من منافستيها، قطر والسعودية.
لذلك، منذ صمود نوفوروسيا، وعلى الرغم من الدعم الذي قدمه لها الاتحاد الروسي، إلا أن بلدان الاتحاد الأوروبي لا تزال تسعى إلى التحرر من تبعيتها للغاز الروسي. من هنا جاءت فكرة الحكومة الإيرانية تقديم غازها للسوق الأوروبية بعد فقدانها أي أمل بنقله عبر العراق.
يمكن لواشنطن أن توافق على هذا الخيار في إطار اتفاق أوسع أثناء مباحثات 5+1.
مع ذلك، لو حصل هذا التحول، فإنه سيحدث تغييراً عميقا في التوازن الإقليمي. سوف يكون من الصعب على روسيا، التي رحبت لتوها بعضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون، تقبل أن تبيع الأخيرة غازها إلى الاتحاد الأوروبي.
اضافة الى ذلك، هذا الأمر يفترض استثمارات تقدر بـ8.5 مليارات دولار لانشاء خط أنابيب بطول 1800 كم، وكذلك ربط حقول الإنتاج على أنظمة نابوكو. هذا ما أكده الشيخ حسن روحاني للرئيس النمساوي هانز فيشر على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
في المنظور السوري، لايعتبر أي تحول في سياسة الطاقة الإيرانية بالضرورة أمرا سيئا: ليس لدى معظم أعداء سورية-باستثناء إسرائيل- أي سبب لمواصلة الحرب ضدها. غير أن إبعاد إيران عنها، من شأنه أن يعزز من فائدة سورية بالنسبة لروسيا.
إذا تم التوقيع على هذا الاتفاق، فهذا يعني أن واشنطن ستستمر في سياسة عدم الاستقرار في المنطقة السنية من العراق للحفاظ على الفصل الجغرافي بين طهران ودمشق، والاستمرار حتما في دعم داعش في دير الزور، مع ترك باقي سورية في هدوء.
تعليقات القراء