"هذا المقال مقتطف من كتاب " أمام أعيننا
انظر جدول المحتويات.

عرَفت داعش عن نفسها من خلال التعذيب وقطع الأعناق علناً.

داعش والخلافة

لابد من التذكير أن أعضاء جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في سورية) هم في البداية سوريون، ذهبوا للقتال في العراق بعد سقوط بغداد في عام 2003. وعادوا إلى سورية للمشاركة في عملية مخطط لها مسبقاً ضد الجمهورية، تم تأجيلها إلى أواخر شهر تموز-يوليو 2012.

ظل هؤلاء الجهاديون لمدة سنتين، أي حتى لعام 2005- يستفيدون من مساعدة سورية في تركهم يتنقلون بحرية تامة، اعتقاداً منها أنهم يحاربون الغزاة الأمريكان.

غير أنه اتضح، بما لا يدع مجالاً للشك، عندما وصل الجنرال ديفيد بترايوس إلى العراق، أن الوظيفة الفعلية لهؤلاء الجهاديين كانت في قتال العراقيين الشيعة، تحقيقاً لسعادة قوات الاحتلال.

تم في نيسان- أبريل 2013، إعادة تفعيل الإمارة الإسلامية في العراق، التي ينحدرون منها، تحت اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (isis). رفض أعضاء جبهة النصرة ، الذين اشتقوا لأنفسهم حصة كبيرة من سورية، العودة إلى التنظيم-الأم.

جون ماكين في سوريا المحتلة. في المقدمة على اليمين نتعرف على مدير فرقة الطوارئ السورية. وفي فتحة الباب، في الوسط، محمد نور، المتحدث باسم عاصفة الشمال (القاعدة). ستقدم أسر الرهائن اللبنانيين شكوى ضد "السيناتور" لتورطه في عملية الاختطاف. بيد أن الأخير سوف يؤكد أنه لا يعرف نور الذي ربما اندس في هذه الصورة المنشورة رسمياً من قبل كاتم أسراره البرلماني

وفي أيار-مايو 2013، نظمت جمعية صهيو-أميركية تدعى قوة الطوارئ السورية Syrian Emergency Task Force، رحلة للسيناتور جون ماكين إلى "سورية المحتلة"، التقى فيها مع مختلف المجرمين، من بين هؤلاء محمد نور، المتحدث باسم لواء عاصفة الشمال (تنظيم القاعدة)، الذي اختطف واحتجز 11 من الحجاج الشيعة اللبنانيين في إعزاز.

هناك صورة نشرها مكتبه الصحفي تٌظهر حوارات أجراها مع قادة "الجيش السوري الحر". البعض منهم لا يزال يحمل راية جبهة النصرة. ثمة شك لا يزال يدور حول هوية واحد من هؤلاء. كتبت في وقت لاحق وقلت إن هذا هو الخليفة القادم لداعش، وهو ما نفاه سكرتير عضو مجلس الشيوخ قطعياً.

إنه نفس الرجل الذي خدم الصحفيين كمترجم. فأصبح الشك حقيقة.

لكن سكرتير السيناتور ماكين عاد ليؤكد أن فرضيتي سخيفة، وأن داعش هددت عضو مجلس الشيوخ بالقتل عدة مرات.

بعد فترة وجيزة، ظهر جون ماكين على التلفزيون، وأكد شخصياً أنه يعرف قادة داعش، وأنه "على اتصال دائم معهم". [1]

لو لم يكن لدى عضو مجلس الشيوخ أوهام حول الإسلاميين، لكان أعلن أنه أخذ العبرة من درس فيتنام، وأنه يدعمهم ضد "نظام" الرئيس بشار الأسد بحكم الضرورة الإستراتيجية. لذلك كان عليه قبل بدء الأحداث في سورية، تنظيم إمداداتها من الأسلحة، انطلاقاً من لبنان واختيار قرية عرسال، كقاعدة خلفية للعمليات لاحقاً، ولم يفته تقييم شروط عمل داعش مستقبلاً، خلال تنقلاته في أنحاء سورية "الجهادية".

جون ماكين وأركان الجيش السوري الحر. في المقدمة على اليسار، الرجل الذي سوف يلعب فيما بعد دور "الخليفة إبراهيم" لداعش، الذي يناقش السيناتور. بعده مباشرة، العميد سليم إدريس (بنظارات). "الخليفة" هو ممثل لم يمارس أي مسؤولية. وفقاً لجون ماكين، فإن الأمر لا يتعلق أولا يتعلق بالخليفة، بل بشخص يشبهه. ومع ذلك، اعترف السناتور لاحقاً بأنه كان "على اتصال دائم" مع داعش.

توصل القضاء والشرطة التركيان في كانون أول- ديسمبر 2013، إلى نتيجة تؤكد، أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يلتقي منذ عدة سنوات بشكل سري مع ياسين القاضي، مصرفي تنظيم القاعدة. الصور تشهد انه جاء عدة مرات بطائرة خاصة، وكان يجري استقباله دائماً، بعد تعطيل كافة كاميرات المراقبة في المطار.

كان القاضي منذ زمن بعيد (وربما لا يزال) صديقاً شخصياً لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. لم يُشطب اسمه من قائمة المطلوبين للأمم المتحدة إلا في 5 أكتوبر 2012، ومن وزارة الخارجية في 26 نوفمبر 2014، لكنه كان يأتي منذ زمن بعيد، لمقابلة أردوغان.

اعترف القاضي بأنه كان مسؤولاً عن تمويل الجيش العربي التابع لأسامة بن لادن في البوسنة والهرسك (1991-1995)، وتمويل الرئيس علي عزت بيغوفيتش.

وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، يٌعتقد أنه قد أدى دورا مركزياً في تمويل الهجمات ضد سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا، وكينيا (1998).

ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي أيضاً، يٌعتقد أنه المالك لشركة البرمجيات Ptech، وحاليا ( Go Agile)، التي يشتبه في لعبها دوراً في الإرهاب الدولي.

فاجأت كاميرات المراقبة في مطار إسطنبول بلال أردوغان وهو يستقبل أمين صندوق القاعدة ياسين القاضي.

داهمت الشرطة التركية بعد فترو وجيزة مقر منظمة الإغاثة الإنسانية التركية IHH واستدعت حاليس B.، المشتبه في أنه زعيم تنظيم القاعدة في تركيا، إضافة إلى إبراهيم S، الرجل الثاني في قيادة المنظمة للشرق الأوسط. لكن أردوغان تمكن من تسريح رجال الشرطة، وإطلاق سراح المشتبه بهم.

ضابط من داعش يصرح على قناة العربية (السعودية)، أن المنظمة يقودها الأمير عبد الرحمن الفيصل.

أطلقت الولايات المتحدة في كانون ثاني-يناير عام 2014 برنامجاً ضخماً لتطوير منظمة جهادية، من دون الكشف عن اسمها. أُقيمت ثلاثة معسكرات تدريب في تركيا. واحد في شانلي أورفا، واثنان في كل من عثمانية، وكرمان. وبدأت الأسلحة تتدفق بغزارة على الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، مما أثار شهية وحسد جبهة النصرة . وخاضت المجموعتان لعدة أشهر حرباً بلا هوادة ضد بعضهما البعض. [2]

فرنسا وتركيا، اللتان لم تستوعبا على الفور ما هو قادم، أرسلتا في البداية ذخيرة إلى جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) أملاً في الاستيلاء على كنز الدولة الإسلامية في العراق والشام.

اعترفت السعودية بزعامتها للدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وأعلنت أن من يديرها من الآن فصاعدا هو الأمير عبد الرحمن الفيصل (شقيق السفير السعودي في الولايات المتحدة، وشقيق وزير الخارجية الراحل أيضاً).

بدأت الأمور تتضح تدريجيا بعد أن استدعى البيت الأبيض قادة المخابرات السعودية، والأردنية، والقطرية، والتركية، في 18 شباط-فبراير، إلى واشنطن.

أبلغتهم مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، إنه نظراً لعدم مقدرة الأمير بندر على استعادة عافيته، فقد تقرر أن يحل مكانه الأمير محمد بن نايف للإشراف على الجهاديين.

لكن نايف ليس لديه سلطة طبيعية على هؤلاء الناس، مما أثار شهية الأتراك. أحاطتهم رايس علماً بالتنظيم الجديد للجيش السوري الحر، وأبلغتهم أن واشنطن سوف تعهد إليه بعملية سرية واسعة النطاق، لإعادة رسم الحدود.

ذهب عبد الحكيم بلحاج ( مسؤول سابق في تنظيم القاعدة، الحاكم العسكري لطرابلس في ليبيا، ومؤسس الجيش السوري الحر) في أوائل شهر أيار-مايو إلى باريس لإبلاغ الحكومة الفرنسية عن خطط الولايات المتحدة "الجهادية"، وإنهاء الحرب التي تشنها فرنسا ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام. فتم توجيه دعوة للعديد من القادة الجهاديين للتشاور في عمان (الأردن) في الفترة الواقعة بين 27 أيار-مايو إلى 1 حزيران-يونيو.ووفقاً لمحضر ذلك الاجتماع، فإنه سوف يجري العمل على تجميع المقاتلين السنًة، تحت راية الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIS). وسوف يحصلون على وسائل نقل، وأسلحة أوكرانية بكميات كبيرة. وسوف يكون بوسعهم السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية بشكل خاص، تمتد بين سورية والعراق، وإعلان دولة مستقلة، مكلفة ب قطع الطريق الواصلة بين بيروت ودمشق وبغداد وطهران، ونسف حدود سايكس-بيكو بين سورية والعراق.

مقتطف من محضر الاجتماع الذي ترأسته وكالة المخابرات المركزية في عمان، أعدته المخابرات التركية (وثيقة نشرتها الصحيفة الكردية اليومية "Özgür Gündem" في 6 تموز-يوليو 2014).

أعلن نائب الرئيس العراقي السابق عزت إبراهيم الدوري، زعيم النقشبندية في العراق، عن استعداده لتقديم ثمانين ألف جندي سابق في جيش صدام، للدولة الإسلامية. كما أكدت وكالة الاستخبارات المركزيةCIA أن نحوا من 120 ألفاً من قدامى المحاربين، من القبائل السنية في الأنبار، سيلتحقون بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بمجرد وصولها، وسيعطونها أسلحة ثقيلة يقوم البنتاغون بتوصيلها لهم، على أنها أسلحة موجهة رسمياً للجيش العراقي.

حصل مسرور جمعة بارزاني، رئيس جهاز المخابرات في حكومة إقليم كردستان العراق، على موافقة استيلاء حكومته على المناطق المتنازع عليها في كركوك وضمها إليها، حالما ضمت الدولة الإسلامية الأنبار.

بيد أننا لا نزال لا نفهم معنى تواجد المٌلاً كريكار، الذي يقضي عقوبة السجن في النرويج، لكنه مع ذلك جاء على متن طائرة خاصة، تابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي.

في الواقع، يلعب هذا الملا منذ سنوات عديدة دورا هاماً في إعداد الإسلاميين عقائديا لإعلان دولة الخلافة.

لكن هذه المسألة لم تناقش خلال الاجتماع.

في الوقت نفسه، أعلن الرئيس باراك أوباما من داخل الأكاديمية العسكرية في وست بوينت West Point، عن استئناف "الحرب على الإرهاب"، وتخصيص ميزانية سنوية قدرها 5 مليارات دولار.

كما أعلن البيت الأبيض في وقت لاحق أن هذا البرنامج يرنو، ضمن جملة أمور أخرى، إلى تدريب 5400 من المتمردين المعتدلين سنوياً ( أي من دون الأخوان المسلمين).

شنت الدولة الاسلامية في حزيران- يونيو، هجومين، الأول في العراق، والثاني في سورية، وأعلنت عن قيام دولة الخلافة.

حتى ذلك الحين، كان من المفروض أن لا يزيد تشكيل داعش-هكذا تسمى اختصاراً باللغة العربية- عن بضع مئات من المقاتلين، لكنه أصبح لديها فجأة عشرات الآلاف من المرتزقة. فُتحت لها أبواب العراق على يد ضباط سابقين لدى صدام، للثأر من الحكومة في بغداد، وكذلك الضباط الشيعة الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة.

استولت داعش على أسلحة من الجيش العراقي التي زودتهم بها وزارة الدفاع الأمريكية فور وصولهم، كما استولت أيضاً على احتياطيات البنك المركزي في الموصل.

انضمت حكومة إقليم كردستان كركوك في الوقت نفسه وبشكل منسق، وأعلنت عن إجراء استفتاء لتقرير المصير. فأغلقت أنقرة حدودها مع سورية، منعاً لجهاديين آخرين، من مجموعات منافسة للدولة الإسلامية الناشئة (داعش)، من العودة إلى تركيا.

عينت داعش، بمجرد تثبيت أقدامها، إداريين مدنيين تدربوا في فورت براغ (الولايات المتحدة الأمريكية)، بعضهم كان لوقت قريب، جزءا من الإدارة الأمريكية في العراق.

صار على الفور، لدى داعش إدارة للدولة، على النحو المحدد في بناء الدول، بمفهوم الجيش الأمريكي.

من المؤكد أن هذا الأمر هو تحول كامل، لما كان يُعتبر قبل بضعة أسابيع مجرد مجموعة إرهابية.

لقد تم التخطيط لكل شيء تقريباً في وقت مبكر. لذلك عندما كانت داعش تستولي على المطارات العسكرية العراقية، كان يظهر على الفور أن لديها طيارين للطائرات الحربية، والمروحية، مؤهلين للقتال.

هؤلاء لا يمكن أن يكونوا من الطيارين العراقيين السابقين، نظراً لفقدانهم الكفاءة بعد توقفهم لمدة ستة أشهر عن الطيران.

لكن المخططين نسوا الفرق الفنية اللازمة، بحيث أن جزءاً من هذه المعدات يصبح من المتعذر استخدامها.

لدى داعش قسم اتصالات، مكون بشكل رئيسي من المتخصصين في جهاز المخابرات البريطانية MI6، سواء منهم المسؤولين عن طباعة صحف داعش، أو المكلفين في إظهار عنف " الرب".

إنه توجه آخر بالنسبة للجهاديين.

كانوا حتى ذلك الحين يستخدمون العنف لإرهاب السكان. أما الآن، فصاروا يضخمون مظاهر العنف، لصدم الناس وتخدير أحاسيسهم.

لامست أشرطة الفيديو التي أنتجوها عن أنفسهم بمنتهى الروعة والجمالية، العقول بقوة، وجذبت المتطوعين إليهم من هواة أفلام السناف snuff movies

جون ماكين وعبد الحكيم بلحاج. وفي اللحظة التي كان يجري فيها التقاط هذه الصورة، كان الانتربول يبحث عن بلحاج أمير داعش في المغرب العربي.

النجاح الباهر الذي حققته داعش، جذب إليها الإسلاميين من أنحاء العالم كافة.

فإذا كان تنظيم القاعدة مرجع الإسلاميين في مرحلة أسامة بن لادن وأقرانه، فإن الخليفة "إبراهيم" هو معبودهم الجديد . وراحت المجموعات الجهادية في جميع أنحاء العالم، تبايع داعش الواحدة تلو الأخرى.

وجه المدعي العام المصري، هشام بركات، في 23 شباط-فبراير 2015 مذكرة إلى الأنتربول أكد فيها أن المدعو عبد الحكيم بلحاج، الحاكم العسكري لطرابلس، هو رئيس داعش في المغرب العربي بأكمله.

بدأت داعش على الفور باستغلال النفط العراقي والسوري، ونقل النفط الخام سواء عبر خط الأنابيب الذي تسيطر عليه حكومة إقليم كردستان العراق، أو عن طريق الناقلات من شركة Serii وسام أتوموتوتيف، عبر المعابر الحدودية في كركميش، أقجة قلعة. كما قامت شركة (توبرواش) بتكرير جزء من النفط الخام للاستهلاك المحلي التركي في باتمان، ثم شحن الباقي إلى ميناء جيهان، ومرسين، ودورتيول على متن سفن عائدة لشركة Palmali Shipping & Agency JSC التي يملكها الملياردير التركي-الاذربيجاني مبرز غوربنغلو. وكان يجري نقل معظم النفط السوري الخام إلى إسرائيل، حيث يُمنح هناك شهادات منشأ مزورة، قبل أن تتابع الناقلات طريقها نحو أوروبا (في فرنسا، حيث يتم تكريره في مدينة فوس سور مير). وما يتبقى منه يتم شحنه مباشرة إلى أوكرانيا.
 [3]

هذه الآلية المتبعة معروفة جيدا من قبل المحترفين، وقد تم ذكرها في المؤتمر العالمي لشركات النفط (15-19 حزيران-يونيو في موسكو).

أكد المتحدثون أن شركة آرامكو (الولايات المتحدة الأمريكية / المملكة العربية السعودية) تُسوِقُ نفط داعش في أوروبا، في حين أن شركة اكسون موبيل (شركة عائلة روكفلر التي تحكم قطر) تسيًل في الأسواق نفط جبهة النصرة.
 [4]

أكدت ممثلة الاتحاد الأوروبي في العراق، السفيرة جانا ايباسكوفا، بعد بضعة أشهر، في جلسة استماع أمام البرلمان الأوروبي، أن دولا أعضاء في الاتحاد الأوروبي تدعم داعش عن طريق شراء نفطها.

فشل مجلس الأمن الدولي في مرحلة أولى بإدانة هذا التهريب، وذهب رئيسه إلى التذكير بحظر التجارة مع المنظمات الإرهابية. فصار لزاماً الانتظار حتى شهر شباط- فبراير 2015 للتصويت على اصدر القرار ذي الرقم 2199.

انسحب مبرز غوربانوغلو على إثر القرار، وباع العديد من السفن التابعة له (Mecid أسلانوف، Begim أسلانوفا، الشاعر قابيل، أرمادا بريزي وShovket Alekperova) إلى مجموعة BMZ DENIZCILIK INSAAT شركة الشحن التي يملكها بلال أردوغان، ابن الرئيس رجب طيب أردوغان، المستمر في عمله بالتهريب.

ظلت الأمور على هذا المنوال حتى انعقاد قمة مجموعة العشرين G20 في شهر نوفمبر 2015، في أنطاليا حين وجه الرئيس بوتين الاتهام لتركيا بانتهاك قرار الأمم المتحدة، وتسويق نفط داعش.

قام رئيس العمليات في الجيش الروسي، الجنرال سيرغي رودسكي، بالكشف علناً أثناء مؤتمر صحفي عن 8500 صورة، التقطتها الأقمار الصناعية لصهاريج تعبر الحدود إلى تركيا.

قام الطيران الروسي على الفور بتدمير الناقلات الموجودة على الأراضي السورية، لكن معظم عمليات التهريب كانت تمر عبر كردستان العراق، تحت مسؤولية الرئيس مسعود بارزاني.

تم بعد ذلك تم تنفيذ أشغال لتوسيع المحطة النفطية "يومورتاليك" (المتصلة مع الأنبوب التركي-العراقي كركوك-جيهان)، فأصبحت سعة التخزين 1.7 مليون طن.

تعود ملكية كل الصهاريج الناقلة للبترول إلى شركة تدعى Powertans حصلت من دون مناقصة على حق احتكار نقل النفط على الأراضي التركية. وهي مملوكة أيضاً من قبل شركة غامضة جداً تدعى Grand Fortune Ventures، مقرها في سنغافورة، تم نقلها بعد ذلك إلى جزر كايمان.

تختبئ وراء كل هذا المونتاج، شركة جاليك القابضة Çalık Holding، الشركة التي يملكها بيرات البيرق، وزير الطاقة، صهر الرئيس أردوغان. أما النفط الذي جرى نقله عبر خط الأنابيب الكردي، فقد تم بيعه بالطريقة نفسها. [5]

في كل مرة كانت فيها الحكومة العراقية تدين تواطؤ أسرة البارزاني مع داعش، وسرقة الممتلكات العامة العراقية التي يشترك فيها الطرفان، كانت أنقرة تتظاهر دائماً بأنها متفاجئة. مما دفع أردوغان إلى تجميد موارد الأكراد على حساب أحد المصارف التركية، في انتظار توضيح من اربيل، وبغداد لمواقفهما تلك.

وبما أن الفوائد الناجمة عن هذه الأموال المحتجزة، لم يُصرَح عنها في الميزانية التركية، لذا كانت تحول تلقائياً لحساب حزب العدالة والتنمية.

قام الخليفة أبو بكر البغدادي في أيلول-سبتمبر 2014، بالتخلص من الكوادر العليا في منظمته، متهماً الضباط المغاربة بشكل عام، والتونسيين على وجه الخصوص بعدم طاعة الأوامر، فحكم عليهم جميعاً بالإعدام، ونُفذ الحكم، ليحل مكانهم جهاديون من جورجيا، والصين، والإيغور، والشيشان. وهكذا أصبح ضابط من الاستخبارات العسكرية الجورجية، طرخان باتيراشفيلي، الذراع اليمنى للخليفة تحت اسم "أبو عمر الشيشاني". وببراءة واضحة، أبدى، ايراكلي الأسانيا، وزير الدفاع الجورجي، والرئيس السابق ل"الحكومة الأبخازية في المنفى" (كذا)، عن استعداده، في نفس الوقت، لاستضافة معسكرات لتدريب الجهاديين السوريين في بلاده.

أعلن الرئيس باراك أوباما في 13 أيلول-سبتمبر، رداً على الفظائع المرتكبة على نطاق واسع، وإثر إعدام صحفيين أميركيين، عن إنشاء تحالف دولي لمكافحة داعش.

بيد أنه وأثناء معركة (كوباني) عين العرب في سورية، استمتعت طائرات من القوات الجوية الأمريكية بقصف "وهمي" لمعسكرات داعش ليوم واحد، ثم شرعت تُسقط لهم الأسلحة والذخائر والمؤن جوا بالمظلات، باقي الأيام الأخرى.

وفقاً للصحافة الأمريكية، كان الدكتور ديفيد دروجون، وهو ضابط في أجهزة المخابرات العسكرية الفرنسية، هو من أنشأ داعش، وهو من درب محمد مراح والشقيقان كواشي. وقد نفت وزارة الدفاع الفرنسية استخدامه، بينما تحتفظ الصحافة الأمريكية بتأكيدها. تم الإبلاغ عن اختفائه عقب قصف حليف.

أعلنت دول التحالف حينها، أنها تقوم بعملية ضد مجموعة خراسان التابعة لتنظيم القاعدة في سورية.

على الرغم من أنه لا يوجد أي دليل على وجود هذه المجموعة، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية أكدت أن مٌخبراً لدى الاستخبارات الفرنسية يدعى دافيد دروجيون، هو المكلف بمهمة قيادة هذه المجموعة. لكن وزارة الدفاع الفرنسية نفت هذا الأمر. ثم عادت وسائل الإعلام الأميركية لتؤكد في وقت لاحق، أن دروجيون هو الذي درب، لحساب المخابرات الفرنسية، محمد مراح (المسؤول عن الهجمات في تولوز ومونتوبان في عام 2012) والأخوين كواشي (المسؤولين عن الهجوم ضد صحيفة شارلي ابدو Charlie Hebdo في باريس)

فرضت داعش، أملاً في توسيع مجال مواردها المالية، نظام ضرائب في الأراضي التي تديرها، وتقاضي فدية عن السجناء، والاتجار بالآثار. وقد أُوكلت مهمة الإشراف على هذا النشاط ل أبو سياف العراقي.

كان يتم إرسال القطع الأثرية المسروقة من سورية إلى غازي عنتاب (تركيا). فكانت إما يتم شحنها مباشرة إلى هواة جمع الآثار، الذين طلبوا تلك القطع من هذه الشركات التركية Şenocak Nakliyat, Devran Nakliyat, Karahan Nakliyat et Egemen Nakliyat, ، أو يتم بيعها في سوق الأنتيكا Bakırcılar Çarşısi. [6]

فضلاً عن ذلك، عندما غادر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي السلطة، سحب رخصة نقل الأفيون والهيروين الأفغاني من الكوسوفيين، وأعطاها للخليفة.

ظلت أسرة الرئيس الأفغاني لسنوات عديدة- خصوصاً شقيقه أحمد والي كرزاي إلى حين اغتياله – تسيطر على كارتل الأفيون الرئيسي في البلاد.

توصلت أفغانستان، تحت حماية القوات المسلحة الأمريكية، إلى إنتاج 380 طناً من الهيروئين في السنة من أصل 430 طناً تتدفق سنوياً على السوق العالمية.

لقد حققت هذه التجارة لأسرة كرزاي موردا بلغ في عام 2013 ثلاثة مليارات دولار. وصار تنظيم داعش هو المسؤول عن نقل المخدرات إلى أوروبا عبر فروعه الأفريقية والآسيوية.

وأخيراً، أنشأت المافيا التركية التي يديرها رئيس الوزراء بن علي يلديريم مصانع الهروئين المزيف فوق الأراضي التي تحتلها داعش، وراحت تغرق بها أسواق الغرب.

القضاء على داعش

أعلن الرئيس دونالد ترامب في 21 أيار-مايو 2017 من الرياض، أن الولايات المتحدة سوف تتراجع عن إنشاء دويلة سنيًة (دولة الخلافة داعش) على أرض ممتدة بين العراق وسورية، كما ستتوقف عن دعم الإرهاب الدولي، وتحث جميع الدول الإسلامية على أن تفعل الشيء نفسه. وقد تم إعداد هذا الخطاب بالتنسيق بعناية بالغة مع البنتاغون والأمير محمد بن سلمان، ولكن ليس مع لندن.

وكدولة مطيعة للسيد الأمريكي، شرعت المملكة العربية السعودية على الفور بتفكيك الآلية العملاقة لدعم الإخوان المسلمين التي أنشأتها على مدى ستين عاماً، فيما امتنعت كل من بريطانيا، وقطر، وتركيا، وماليزيا عن مواكبة التطورات التي تشهدها الولايات المتحدة .

كما في أفغانستان، أعاد جهاز المخابرات البريطانية الخارجي MI6 تسمية "الجبهة الإسلامية المتحدة لإنقاذ أفغانستان" وحولها إلى " تحالف الشمال" من أجل كسب تأييد الرأي العام الغربي لهؤلاء "المقاومين لطالبان"، وعلى منوالها أعاد جهاز المخابرات البريطانية MI6 في ميانمار تسمية "حركة الإيمان" لتصبح "جيش تحرير روهينغا الأراكان". وفي كلتا الحالتين، كان يجب إزالة كل ذكر لجماعة الإخوان المسلمين.

أطلقت لندن في آب- أغسطس 2017 جيش أراكان روهينغيا للإنقاذ ضد الحكومة البورمية. وتغذى الرأي العام الدولي على مدى شهر بمعلومات ملفقة تُلقي باللائمة على نزوح الروهينغا المسلمين من ميانمار في البنغال بسبب ممارسات الجيش البوذي البورمي ضدهم. كان ذلك بمثابة إطلاق المرحلة الثانية من "صدام الحضارات " : بعد هجوم المسلمين على المسيحيين، ها هو هجوم البوذيين على المسلمين.

غير أن العملية توقفت عندما أوقفت المملكة العربية السعودية دعمها لجيش الروهينغا للإنقاذ، ومقره مكة
 [7].

وزارة الخارجية السعودية ترسل قبل ثلاثة أيام من الهجمات في سري لانكا، برقية سرية إلى سفيرها في كولومبو، تأمره أن يحتجز أكبر عدد ممكن من موظفيه لمدة ثلاثة أيام وأن يمنعهم تماماً من ارتياد الأماكن التي ستدمرها الهجمات (المصدر: أخبار العهد).

في النهاية، تقوم الولايات المتحدة وإيران والعراق بطرد داعش من العراق، بينما تقوم كل من سوريا وروسيا بطرده من سوريا.

وفي نهاية المطاف، تم تنظيم عملية واسعة من قبل داعش في سريلانكا بمناسبة عيد الفصح المسيحي في 21 نيسان-أبريل 2019 مما أسفر عن مقتل 258 شخصاً وجرح 496.

حاول الرئيس أنور السادات استعادة الخلافة، التي تخيلها حسن البنا عام 1928 لتحقيق مآرب شخصية، لكنها كلفته حياته. تحقق الحلم في النهاية على يد داعش، لكنه باء بالفشل. كانت مقاومة السكان العرب قوية للغاية ولم يسمح اعتراض الرئيس ترامب بمواصلة التجربة.
لا يمكن في الوقت الحالي معرفة ما إذا كانت الإمارة الإسلامية لديها تفويض من المرشد للإعلان عن الخلافة، أم أنها استغلت دعم الغرب للقيام بذلك.
على أي حال، فإن الجهاديين لن يتوقفوا.

(يتبع…)

ترجمة
سعيد هلال الشريفي

هذا الكتاب متوفر بست لغات

[1« John McCain, le chef d’orchestre du "printemps arabe", et le Calife », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 18 août 2014.

[2Israeli general says al Qaeda’s Syria fighters set up in Turkey”, Dan Williams, Reuters, January 29, 2014.

[3“الاتجار غير المشروع بالمواد الهيدروكربونية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”, شبكة فولتير , 29 كانون الثاني (يناير) 2016, www.voltairenet.org/article192006.html

[4“الجهاد والصناعة النفطية”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, سوريا , شبكة فولتير , 24 حزيران (يونيو) 2014, www.voltairenet.org/article184375.html

[5Hacked Emails Link Turkish Minister to Illicit Oil”, Ahmed Yayla, World Policy, October 17, 2016.

[6“تهريب الآثار على أيدي التنظيم الإرهابي الدولي المعروف باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”, شبكة فولتير , 8 آذار (مارس) 2016, www.voltairenet.org/article191883.html

[7“الإسلام السياسي ضد الصين”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, شبكة فولتير , 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2017, www.voltairenet.org/article198142.html